التهام إيرادات الكهرباء.. فساد الإصلاح يُغرق مأرب في الظلام (وثائق حصرية)
أبدى الكثير من المواطنين في محافظة مأرب، الغنية بالنفط، استياءهم الشديد من تعدُّد انقطاع وخروج الكهرباء عن الخدمة في ظل طقس صيفي حار، وسط تجاهلٍ واضحٍ من السلطة المحلية والجهات المختصة في وضع حلول من شأنها إيقاف هذه المعاناة الكارثية.
حالات انقطاع الكهرباء في مأرب شبه يومية، وتصل في أغلب الأحيان لأكثر من 12 ساعة، تعود أسبابها بحسب مصادر في كهرباء مأرب تحدّثت لـ"المشهد العربي"، إلى نفاذ كمية الديزل، الأمر الذي لاقى استغراباً كبيراً من المواطنين عن انعدامه في محافظة تشتهر بإنتاجه بكمية كبيرة.
وتساءل مواطنون عن مصير كمية الديزل الذي تنتجه منشأتي صافر النفطية ومصفأة مأرب، أي أنَّ ما تنتجه شركة صافر من الديزل الخام في اليوم الواحد هو 8 وايتات فيما تنتج مصفاة مأرب وحدها قرابة 2700 برميل من الديزل الخام، يعود كاملاً إجمالي المنشآتين وفق وثائق رسمية لمحطات الكهرباء في مأرب.
آخر انقطاعات خدمة الكهرباء الفجائية عن المدينة استمر لأكثر من ست ساعات منذ مساء أمس الأول الخميس حتى ساعات فجر أمس الجمعة؛ نتيجة خروج المحطة الرئيسية عن الخدمة جرَّاء نفاذ مادة الديزل وانقطاع التيار عن معظم مناطق الوادي، والمدينة. بحسب مصادر في كهرباء مأرب تحدَّثت لـ"المشهد العربي".
وأوضّحت المصادر أنّ هذا الانقطاع يعود لنفاذ كمية الديزل عن المحطة التي تحتاج فعلياً لتشغيلها خلال اليوم 250 ألف لتر من الديزل، غير أنّ ما يصلها فقط في اليوم الواحد أقل من 170 ألف لتر يومياً.
وأكَّدت مصادر في منشأة "صافر" النفطية أنَّ المنشأة تنتج في اليوم الواحد قرابة ثمانية وايتات من مادة الديزل الخام تذهب جميعها بأوامر من السلطة المحلية لمحطات الكهرباء، تختلف معه قيمة كل وايت بحسب الحمولة فأقل وايت قيمته ستة ملايين ريال يمني، لا تصل معه غير ثلاثة وايتات ديزل للمحطات لتشغيلها.
يأتي ذلك وسط تعمُّد واضحٍ من قبل السلطة المحلية لتكوين ثروات طائلة عن طريق النهب، من خلال احتكار تواجد مادة الديزل في الأسواق السوداء وبيع المتاح منه بأسعار خيالية.
وأكَّد مواطنون أنَّ الديزل لا يتواجد في أي محطة رئيسية في المحافظة منذ أكثر من عام ونصف، وأنَّ من يحتاجه يضطر للتوجُّه إلى السوق السوداء.
وفي السياق، لا يزال مشروع إنارة المحافظة الذي أعلنته السلطة المحلية قبل أكثر من ثلاثة أعوام عبر إنشاء وتوصيل الكهرباء الغازية إلى جميع المناطق متعثراً، ويعيش تجاهلاً متعمداً من قِبل السلطة المحلية، وذلك من أجل استثمار مشروعاتها التجارية في خدمة الطاقة الكهربائية المشتراة التي تدفع لها ملايين الدولارات في العام الواحد، وفي مقدمتها شركتا أجريكو وإنتركس.
وتقول مصادر متطابقة إنَّ محطه الكهرباء المستأجرة من "جريكو" على أساس اعتمادها اليومي، لها من الديزل حمولات 12 قاطرة، لكن الكمية التي تدخل إلى المحطة لا تزيد عن أربع قاطرات فقط، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات.
وتكشف معلومات أنّ فساداً كبيراً يحدث في "كهرباء مأرب" تستفيد منه قيادات نافذة في السلطة المحلية وأخرى تابعة لحزب الإصلاح المسيطر على المحافظة وإيراداتها، ومن أوجه هذا الفساد هو استمرار التعاقد مع شركتي أجريكو وإنتركس، التي يدفع لها في الشهر الواحد قيمة كهرباء مشتراة بما لا يقل عن أربعة ملايين دولار، في الوقت الذي تبقى فيه شركة "صافر" الغازية جاهزة للتشغيل وينتظر فيها فقط الربط، لكن من أجل استمرار الفساد ونهب المال العام يتم عرقلة تشغيل الكهرباء الغازية.
وأكَّدت مصادر متطابقة أنَّ هذه العراقيل تأتي من قِبل المحافظ سلطان العرادة، حيث يحصل على نسبة كبيرة من المبالغ التي تدفعها الحكومة للكهرباء المشتراة.
وفي ظل انعدام الكهرباء بشكل يومي ولساعات طويلة، وبموازاة السخط الذي أثار حفيظة المواطنين في ظل هذه المعاناة، تكشف وثائق عن صفقات فساد كبيرة في الكهرباء المشتراة في مأرب التي تعود ملكيتها لقيادات نافذة في حزب الإصلاح، يساعدهم في ذلك المحافظ الإخواني العرادة.
الوثائق تكشف أنَّ إجمالي ما يتم صرفة للكهرباء المشتراة من قبل شركة أجريكو مبلغ مليون و125 ألف دولار شهرياً، غير كمية الديزل التي تصرف لها شهرياً وتقدر قيمتها بحوالي ثلاثة ملايين دولار، فيما لم تتوفر أي إحصائيات وأرقام دقيقة تكشف ما يتم دفعه من أموال وديزل للشركة الأخرى.
وفي السياق، تؤكِّد مصادر متطابقة أنَّ سلطات محافظة مأرب التي يسيطر عليها حزب "الإصلاح" جمّدت مشروع كهرباء مأرب الغازية لصالح الشركات الخاصة ببيع الطاقة الكهربائية، مؤكدة أنها تدفع سنوياً لشركات بيع الطاقة الكهربائية المشترأة مبلغ 152 ملياراً و917 مليون ريال، ليتجاوز إجمالي المبلغ 611 ملياراً و669 مليون ريال على مر السنوات الأربع الماضية، أي ما يعادل ملياراً و529 مليون دولار، بسعر صرف 400 ريال للدولار الأمريكي.
وتؤكد المصادر أنّ ما دفعته سلطات مأرب خلال أربع سنوات لشركات تأجير الطاقة، يفوق كلفة مشروع كهرباء مأرب المتعثر 31 مرة، والبالغ كلفته 49 مليون دولار أمريكي.
في حين كانت معلومات سابقة قد كشفت أنّ تكلفة مشروع كهرباء مأرب تمّ توريده إلى فرع البنك المركزي بمأرب قبل سنوات، وتم تعزيز المبلغ أكثر من مرة، لكنَّ السلطات في مأرب لا تريد كهرباء من محطة مأرب الغازية التي تبلغ قدرتها التوليدية 350 ميجاوات، ليتسنى لها بناء ثروات طائلة عن طريق نهب إيرادات المحافظة.
وتبقى هناك شركات أخرى تابعة لحزب الإصلاح تتحكم في مصادر الطاقة والكهرباء في مأرب، لعل أبرزها شركتا السعدي والخراز، اللتان تستحوذان على عقود بيع الطاقة لسلطات مأرب بتوليد 120 ميجاوات – 120 ألف كيلو في الساعة، يضاف إليها مجموعة الأشول التجارية والصناعية التي تنتمي للحزب نفسه والتي أوكل إليها مهمة تنفيذ "مشروع إضاءة شوارع مدينة مأرب بالطاقة الشمسية.
وتشتري محافظة مأرب في الساعة الواحدة حوالي 120 ألف كيلووات بسعر 4.7 سنتات للكيلووات، بمبلغ 5640 دولاراً في الساعة، وبإجمالي 153 ألفاً و360 دولاراً في اليوم، ليصل إجمالي ما تدفعه سلطات مأرب لشركات بيع الطاقة، بمحافظة مأرب 48 مليوناً 729 ألفاً و600 دولار في السنة، ما يساوي 25 ملياراً و583 مليون ريال.
وتزعم السلطة المحلية في محافظة مأرب، أنّ إنتاج مصافي صافر من الديزل يذهب لمحطات شراء الطاقة الكهربائية، فيما تفيد معلومات أن توليد 120 ألف كيلووات، يستهلك 34 ألفاً و286 لتر ديزل، بمعدل لتر لتوليد ثلاثة كيلووات في الساعة، و822 ألفاً و864 لتراً في اليوم، ليبلغ الاستهلاك السنوي لمولدات بيع الطاقة من الديزل 296 مليوناً و231 ألف لتر، بقيمة إجمالية 127 ملياراً و379 مليون ريال في السنة، ما يساوي 318 مليوناً و440 ألف دولار سنوياً.
إلى ذلك، تكشف معلومات أنّ حزب الإصلاح يحصل على مبلغ 56 مليون ريال يومياً، قيمة ديزل كهرباء الطاقة المشتراة وتستمر في نهب نسبتها من مبلغ مليوني دولار شهرياً، يتم دفعها للطاقة الكهربائية المشتراة التي تعود ملكيتها للقيادي في الإصلاح حميد الأحمر والعرادة ومعهم الإخواني السعدي صاحب شركة اجريكو.
وكان الناشط والصحفي المأربي محسن الكثيري، قد نشر وثائق فساد عن كهرباء مأرب، أبرز فيها أسباب تعثر الكهرباء الغازية للمحافظة، لافتاً إلى أنّه بعد مرور عامين عمل محافظ مأرب العرادة على تجديد العقد مع الكهرباء المشتراة وعمل على عرقلة تشغيل الكهرباء الغازية، موضحاً أنه حتى ما قبل أشهر من الآن أصبحت شركة الكهرباء الغازية جاهزة للتشغيل وينتظر الربط منها ولكن العرادة والإخوان لا يريدون ذلك من أجل الاستمرار في نهب المال العام باسم الكهرباء.
وقال الكثيري: "لو اشتغلت الكهرباء الغازية يعني ذلك أن الحكومة سوف توفر في الشهر مليوني دولار التي تدفعها للكهرباء المشتراة إضافة إلى أكثر من 50 مليون ريال في اليوم الواحد، قيمة الديزل الذي يتم نهبه من شركة صافر باسم الكهرباء".
أزمة انقطاع الكهرباء في المحافظة بل أضحت مشكلة كبيرة يواجهها السكان وسط معاناة كبيرة جرّاء الطبيعة الجغرافية الصحراوية الصعبة، في مقابل مبررات عدة تسوقها الجهات المسؤولة، تظل واهية في أعين المواطنين.
المبررات لم تعد تجدي نفعاً مع المواطنين، الذين أكّد عددٌ منهم في أحاديث منفصلة لـ"المشهد العربي" أنّ الادعاءات التي تتعلق بالصيانة وعدم توفُّر قِطَع الغيار للقطع التالفة، لم تعد مقنعةً لهم، ووصفوا هذه الأعذار بـ"المستهلكة".