همس اليراع

عن التنقل بين الشمال والجنوب2

د. عيدروس النقيب

في كل بلدان العالم التي تشهد حروباً ونزاعاتٍ ومواجهاتٍ مسلحة، تغلق الحدود وتصبح عملية التنقل بين مناطق المتحاربين، خاضعة لشروط شديدة وصارمة تمنع تسلل أحد طرفي الحرب أو أدواته، إلى أراضي الطرف الآخر، وهذا أمر معروف، بينما عندنا يتدفق من مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن وبقية مناطق الجنوب، التي يفترض أن الشرعية هي من تسيطر عليها، عشرات الآلاف في اليوم الواحد دون الخضوع لأي معيار من معايير التمييز بين من يمكن أن يأتون لأغراض غير الأغراض الإنسانية والمعيشية، وبين المسافرين العاديين، ولا يستطيع أحد أن يطالب بوضع معايير لهذه العملية تجنباً لتعرضه لتهمة العنصرية والشطرية والانفصالية المخبأة في خزنة أنصار الشرعية والانقلابيين معاً.
دعونا نتجنب الحديث عن القضية الجنوبية، وثنائية الوحدة والانفصال ونأخذ القضية كموضوع أمني صرف يخص السلطة الشرعية، التي يفترض أنها مهمومةٌ بمناطق سيطرتها، ويعلم الجميع أن العمليات الإرهابية التي تحصل في عدن والضالع وسيؤون وشبوة وأبين وفي معظم مناطق الجنوب ينفذها أفراد قادمون، إما من مناطق سيطرة الحوثي، في محافظات الشمال، وإما من مناطق انتشار داعش والقاعدة في البيضاء ومأرب، وإما من مناطق سيطرة الألوية الشمالية المؤيدة للرئيس ونائبه ووزير دفاعه في المنطقة العسكرية الأولى (وادي وصحراء حضرموت والمهرة)، ونعلم جميعا أن ألوية داعش والقاعدة تعمل تحت رعاية قادة يتبوأون أعلى المراتب في السلطة الشرعية، منذ 1994م حتى اليوم.
السؤال هو هل نتوقع خلو تلك المجاميع من بعض القادمين لمهمات تخريبية؟ وهل من المنطقي أن لا أحد بين كل هؤلاء يخدم الجماعات الإرهابية الحوثية والداعشية والقاعدية؟
أنا ضد التمييز بين المواطنين على أساس جهوي أو مناطقي أو حتى على أساس الجنسية، لكنني أدعو إلى تنظيم عملية التنقل، بين مناطق النزاع، وما أقصده بالتحديد هو تبني معايير تمنع أو تخفف من دخول المخربين والإرهابين والمكلفين بالمهمات التجسسية والاستخباراتية أو الإرهابية للجماعات التي يدعي قادة الشرعية أنهم يحاربونها، وهي معايير يمكن أن يعدها متخصصصون أمنيون أكفاء، يأتي في مقدمتها بناء قاعدة بياناتت عن المتنقلين تشمل أسماءهم،مثل أسماؤهم، مناطق قدومهم، عناوين إقامتهم، سبب القدوم، أشخاص يمكن الرجوع إليهم عند الضرورة، وغيرها من الأمور التي تجعل القادمين معروفين وتحت مراقبة الأجهزة الأمنية التابعة للشرعية، ويقيني أن الحوثيين يقومون بها في مناطقهم لكن بصمت ودونما حاجة إلى الضجيج حولها.
الذين يعتقدون أن كل القادمين من مناطق سيطرة الحوثي وداعش والقاعدة هم أنبياء مطهرون، أو حتى مواطنون أبرياء هو إما ساذج سياسيا ولا يضع في الاعتبار أي قيمة للأرواح التي تزهق والدماء التي تراق، وإما متستر على الجماعات الإرهابية بمختلف تنويعاتها.
إن يتشدد الحوثي وأجهزته الإعلامية في الدفاع عن القتلة والمجرمين الذين يسفكون دماء أبناء الجنوب كل يوم، نستطيع أن نفهمها، لكن إن تقف وسائل إعلام الشرعية ورجالاتها ويرفضون تنظيم عملية التنقل بين الشمال والجنوب ويعتبرونها عنصرية وشطرية وانفصالية فنقول لهم أن وراءها أحد أمرين، وربما كليهما: فإما أنكم تتفقون مع الحوثيين والجماعات الإرهابية في استهداف الجنوب وأبنائه، وإما أنكم تكذبون في ادعائكم أنكم تساوون بين المواطنين الشماليين والجنوبيين وإن دفاعكم هو فقط عن الشمال وربما ليس عن بسطاء الشمال بل عن المجرمين والمخربين والقتلة واللصوص القادمين من هناك أما دماء وأرواح الجنوبيين ،والشماليين البسطاء، فلا تهمكم بل وأكثر من هذا إن منكم من يحتفي ويبتهج كلما سقط قائد جنوبي ضحية من ضحايا الإرهاب، ولن أتسرع وأقول بدليل أن أحداً منكم لم يصب بشضية راجعة من شظايا الإرهاب الحوثي الداعشي، فسافترض أن بعضكم قد يتجرأ ويواجه هؤلاء فيسقط شهيداً في معركة قادمة يبدو أن أفقها لم يلح بعد ولن يلوح في المدى المنظور.


مقالات الكاتب