عودة المخاطر الجيوسياسية هاجس يسبب الهلع في أسواق النفط العالمية عقب هجوم أرامكو (تقرير)
تستعد أسواق النفط العالمية، المغلقة حالياً، لما سيكون عليه الوضع حين يبدأ التعامل صباح الاثنين 16-9-2019، خصوصاً في ضوء بعض التقارير التي بدأت تتحدث عن توقف بعض إمدادات النفط السعودية، الى حين إصلاح المنشآت المتضررة نتيجة الهجوم الذي تبنته ميليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران.
وكانت منشأة نفطية رئيسة لأرامكو في بقيق جنوب غرب الظهران شرق السعودية، ومنشأة أخرى في خريص تعرضتا لهجوم بطائرات مسيّرة في الساعات الأولى من يوم السبت 14-9-2019، وشوهدت النيران الكثيفة تملأ سماء المنطقة. إلا أن خبراء في المجال النفطي أشاروا إلى أن النيران التي ظهرت في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون نتيجة إشعال متعمد (Flaring) يحدث في حال إغلاق المنشأة حتى تُحاصر الأعطال ويتم إصلاحها.
أرامكو سارعت إلى طمأنة الأسواق بأن الإمدادات لن تتأثر كثيراً، وأن استعادة العمل ستكون سريعة، إلا أن أعين العالم تتركز على بقيق التي تعالج نحو ثلثي الإنتاج السعودي (7 مليون برميل يومياً) ليكون جاهزاً للتصدير. وحتى إذا صحت التقارير بأن العطل ربما يعني توقف إنتاج ملايين البراميل يومياً، فعلى الأرجح لن يكون ذلك لفترة طويلة، وربما أقل مما تحتاجه مصفاة تخضع للصيانة الاعتيادية.
الأسعار والعامل النفسي
وقالت وكالة الطاقة الدولية يوم السبت إنها "تراقب الوضع في السعودية عن كثب... نحن على اتصال مستمر مع السلطات السعودية، ومع كبار المنتجين والمستهلكين (للنفط) في العالم. وحتى الآن فإن السوق تحظى بإمدادات كافية وهناك مخزونات تجارية".
لكن ذلك ربما لا يهدئ من روع المستهلكين، خصوصاً في شرق آسيا الذين يستوردون نحو 80 في المئة من صادرات النفط السعودية. وإلى حين اتضاح الصورة وإعلان السعودية نتائج تحقيقاتها الأولية وتقدير أرامكو للوضع، فإن الأسواق الآسيوية ستفتح ليل الأحد/الاثنين على ارتفاع كبير في أسعار النفط.
ولعل العامل النفسي المؤثر في سوق النفط سيكون له الأثر الأكبر، لأن السعودية تمثل أهمية قصوى في هذه السوق إلى جانب مكانتها الإقليمية، وسط منطقة متوترة نتيجة التصعيد الإيراني وتوابعه. وإذا كان توقف نفط إيران لم يؤثر كثيراً في السوق العام الماضي، إلا أن أقل عامل مفاجئ في السعودية يهز الوضع، حتى لو كانت الإمدادات كافية.
ويرى كثير من الخبراء أن النفط لم يشهد ارتفاعاً ملحوظا في المخاطر الجيوسياسية منذ فترة، وأن هجوم بقيق كفيل برفع معدل تلك المخاطر في الوقت الحالي ويذهب البعض إلى ربط توقيت الهجوم بإقالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مستشاره للأمن القومي جون بولتون المتشدد تجاه إيران وبرأي هؤلاء فإن طهران وراء الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، وما الحوثي إلا أداة، خصوصاً مع تأكيد الإدارة الأميركية على أن سياسة "الضغط القصوى" عليها لن تتوقف كشرط لأي مفاوضات بشأن الاتفاق النووي.
ومعروف أن إيران، التي كادت صادراتها تصل للصفر، تعتمد على سوق آسيا لبيع نفطها، ولديها ناقلات محملة لا تستطيع بيع مخزوناتها نتيجة العقوبات الأميركية. ويمضي أصحاب نظرية الخطر الجيوسياسي (الإيراني) إلى التذكير بأن النفط السعودي يحتاج ما بين 19 إلى 20 يوماً ليصل إلى سنغافورة، بينما يحتاج النفط الأميركي إلى 54 يوماً من هيوستون إلى سنغافورة، أما نفط إيران فهو أقرب إلى مدة إيصال الإمدادات السعودية.
لكن هؤلاء المحللين، يعتبرون أن احتمال أي تخفيف مؤقت للعقوبات الأميركية على النفط الإيراني شبه مستحيل. ويؤكد آخرون، أنه حتى لو تعطل إنتاج منشأة بقيق، لدى السعودية سعة احتياطية لتعويض أي فاقد إنتاج أثناء فترة إصلاح الأعطال.
ويخلص أغلب المحللين والمعلقين وخبراء قطاع الطاقة إلى أن ما حدث السبت المنصرم، بغض النظر عن حجمه وتأثيره السريع على الأسعار، يعيد المخاطر الجيوسياسية للسوق النفطية.
تكهنات وتقديرات
ومع غياب مؤقت للمعلومات، تلقفت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الاقتصادية العالمية التقارير التي تحدثت عن توقف ملايين البراميل من الإمدادات السعودية. وعلى الفور، بدأت بورصة التكهنات والتقديرات حول نسبة ارتفاع أسعار النفط المتوقعة حتى أن البعض بدأ الحديث عن ارتفاع صاروخي لسعر البرميل ليصل إلى مستوى 100 دولار للبرميل.
وبعيدا من التكهنات والتقديرات، لا شك أن الأسبوع المقبل سيشهد تحرك الأسعار خارج النطاق الذي شهدته في الفترة الأخيرة ما بين 55 و65 دولاراً للبرميل. والأرجح، بحسب آراء كثيرة أن يقترب سعر برميل النفط من حاجز 80 دولاراً، ولو لفترة قصيرة، بحسب ما ستعلنه السلطات السعودية وشركة أرامكو عن الحادث.
أما الحادث كان في الساعات الأولى من عطلة نهاية الأسبوع للأسواق، وهذا ما يعطي الوقت لهضم النتائج الفورية، ويجعل ردود الفعل أقل توتراً حين تعود للعمل. فلو أن الحادث وقع في منتصف الأسبوع لكانت الأسعار ارتفعت بشكل صاروخي قبل أن تعاود التوازن والاستقرار.
وإذا كان المستهلكون الآسيويون قلقون بشأن الإمدادات فإن الولايات المتحدة قلقة بشأن الأسعار، أكثر من قلقها على صعوبة قدرتها على تلبية أي نقص في إمداد آسيا. ولا يحتاج الرئيس ترمب إلى صداع اقتصادي نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية في وقت يمارس ضغطاً على مصرفه المركزي (الاحتياطي الفيدرالي) كي يخفّض الفائدة أكثر لإنعاش الاقتصاد وتقليل أضرار حروبه التجارية، خصوصاً مع الصين.