الانتحار في مناطق الحوثي.. هروبٌ من الطغيان
السبت 26 أكتوبر 2019 02:00:22
منذ أن أشعل الحوثيون حربهم العبثية في صيف 2014، عملت المليشيات على إحداث أزمة إنسانية فادحة، كبّدت السكان في مناطق سيطرتها واقعًا حياتيًّا لا يُطاق، فمنهم من قرر أن يتخلص من حياته "منتحرًا" هربًا من هذا الواقع البائس.
ففي مديرية ذي السفال بمحافظ إب، أقدم معلمٌ على الانتحار بسبب تفاقم وضعه المعيشي نتيجة انقطاع رواتب المعلمين منذ ثلاث سنوات.
مصادر محلية قالت إنَّ المعلم أحمد ملهي، المعلم في مدرسة النصر بمديرية ذي السفال، وجد منتحرًا، بسبب تفاقم وضعه المعيشي، بعدما كان قد باع جل ممتلكاته من أجل إعالة أسرته المكونة من ثمانية أطفال، أكبرهم فتاة لا تتجاوز 13 عامًا، بيد أن الأوضاع تفاقمت، بعد انتظار صرف الراتب الذي غاب عن المعلمين منذ سبتمبر 2016، الأمر الذي دفع ملهي إلى الانتحار.
على مدار خمس سنوات من الحرب التي أشعلها الحوثيون، يعاني عشرات الآلاف من المعلمين في مناطق سيطرة المليشيات من ظروف بالغة القسوة نتيجة انقطاع مرتباتهم منذ أكثر من عامين.
وكشفت مصادر حقوقية أنّ البطش الحوثي الذي طال هذا القطاع أدّى إلى تكرار حالات الانتحار، بسبب عديد الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات على مدار سنوات الحرب والتي لم يسلم منها أحد.
كما بيّنت إحصاءات نقابية، أنّ الانتهاكات التي أقدمت مليشيا الحوثي على ارتكابها، أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 معلم ومعلمة، وتعرُّض 2400 من العاملين في القطاع التعليمي لإصابات نارية مختلفة، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة.
وهناك أيضًا أكثر من 32 حالة اختفاء قسري لمعلمين اختطفتهم مليشيا الحوثي من منازلهم ومدارسهم ولا يزالون مخفيين منذ سنوات، وكذلك قيام المليشيات الحوثية بهدم 44 منزلًا من منازل المعلمين في عدة محافظات.
ولم يسلم المعلمون في مناطق سيطرة الحوثي من التهجير أيضًا، حيث فرّ الآلاف من بطش واضطهاد المليشيات، وأصبحوا بلا مأوى أو عمل، الأمر الذي شكل معاناة أخرى لقطاع واسع من التربويين.
وهناك أكثر من تسعة آلاف تربوي من المعلمين النازحين لا يتقاضون مرتباتهم شهريًّا، ما جعلهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في المعيشة والحياة، والمعلمون الذين نهبت المليشيات الحوثية رواتبهم، أصبحوا عاجزين عن المطالبة بحقوقهم خوفًا من أساليب القمع والبطش واعتبار من يطالب بحقوقه "خائن" و"طابور خامس".
وترتكب مليشيا الحوثي ممارسات طائفية حادة في قطاع التعليم، الذي يعتبر من أكثر القطاعات المتضررة من الحرب العبثية التي أشعلها الانقلابيون في صيف 2014، وقد كشفت بعثة الاتحاد الأوروبي باليمن أنّ نحو مليوني طفل لا يتلقون التعليم، وأنّ أكثر من ألفي مدرسة مدمرة بشكل كلي وجزئي جرّاء الحرب الدائرة.
البعثة الأوروبية شدّدت كذلك على ضرورة توفير الأسباب التي تدفع الأطفال للدراسة، وذلك للحد من مخاطر التجنيد والعمالة وكذلك الحد من تزويجهم في سن مبكرة، وأضافت أنّ الهجمات والغارات الجوية على المدارس والمرافق التعليمية تسبَّبت في تضرُّر نحو ألفي مدرسة استخدمت كمراكز لإيواء النازحين، ونحو عشرة آلاف مدرسة في جميع أنحاء اليمن تأثرت بشكل حاد؛ بسبب الدمار وانقطاع رواتب المعلمين.
كما أنّ نحو 51% من المعلمين توقفت رواتبهم منذ أكتوبر 2016، بالإضافة إلى تهجير العديد من المعلمين الذين اضطروا للبحث عن فرص أخرى لتغطية نفقاتهم واحتياجاتهم الأساسية، وفق البعثة الأوروبية.
شهادة بعثة الاتحاد الأوروبي تنضم إلى عديد التقارير الدولية والإقليمية والمحلية أيضًا التي كشفت عن هول المأساة في قطاع التعليم باليمن جرَّاء استهدافه من قِبل المليشيات الحوثية.
وفي حقبة المليشيات الحوثية، تحوَّلت المدارس إلى ثكنات لتخزين الأسلحة أو مواقع لتجنيد صغار السن أو سجون سرية للناشطين والمعارضين ، كما أضحت فرق الإسعاف والمنشآت الطبية هدفاً للأعمال القمعية التي ينفذها الجهاز الأمني الداخلي المعروف باسم الأمن الوقائي.
وتضرر القطاع التعليمي بشكل كبير، إذ تم اسـتهداف القطـاع بضربات دمرت الكثير من المدارس، كما تم تحويل الكثير منها إلى ثكنات أو مخازن للأسـلحة، وسـجون للاعتقالات الواسعة التي تشـنها المليشيات، قبل أن تفـرض أخيراً إتاوات ومبالغ مالية كبيرة على الطلاب، ما تسبّب في إغـلاق الكثير منهـا لعدم مقدرتهم على الدفع.
ومع تحويل المدارس الكبيرة معسكرات لتجنيد الصغار وغسل أدمغتهم بأفكار ومعتقدات طائفية لتعويض النقص الكبير في المقاتلين بعد عزوف الكثير من القبائل عن إرسال أبنائها إلى الجبهات، إذ أدى حرمان الأطفـال مــن التعليــم في المناطــق غير المحــررة إلى الدفع بهم في الصراع بدلاً مـن التعليـم، وذهب البعض للبحث عن عمل لإعالة أسرهم بسبب وقف الرواتب وانتشار الفقر كنتيجة للحرب التي سببتها المليشيات.
ومؤخرًا، كشف تقريرٌ للمجلس النرويجي للاجئين أنَّ عددًا كبيرًا من الأطفال لم يتمكنوا من العودة إلى المدارس، في ظل الحصار والقصف الجوي، فيما لا يزال قرابة مليونَيْ طفل خارج المدارس وما يقارب 3,7 مليون طفل بحاجة ماسة للمساعدة ليتمكنوا من العودة لمدارسهم بسلام.