اتفاق الرياض.. حجر ناعم أسقط كثيرًا من العصافير قراءة المشهد العربي
لا يعتبر اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية، مجرد اتفاقًا يؤسِّس لمرحلة ستكون شديدة الأهمية، بقدر ما كان حجرًا سياسيًّا ناعمًا أسقط الكثير من عصافير الإرهاب.
الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه بشكل رسمي حسبمًا كشفت لـ"المشهد العربي" مصادر مقربة من كواليس المشهد وعلى إطلاع بمجريات الأمور، غدًا الأحد، يمكن القول إنّ يُرسِّخ لمرحلة شديدة الأهمية للقضية الجنوبية، من أكثر من زاوية.
الزاوية الأولى، أنّ الاتفاق برهن على أنّ المجلس الانتقالي هو الممثل الوحيد والشرعي للقضية الجنوبية، وأنّه يعتبر قوة سياسية فاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو الأمر الذي حاولت حكومة الشرعية، المخترقة من حزب الإصلاح الإخواني، تشويهه ليل نهار.
في الوقت نفسه، فإنّ الاتفاق مكَّن الجنوب أيضًا من أن يضع قضيته على طاولة الحل المستقبلية للحل السياسي الشامل في اليمن، وهو أيضًا وضعٌ حاولت حكومة الشرعية، العمل على إفشاله كذلك، من خلال تهميش مطالب الجنوبيين والتستُّر وراء الحرب على المليشيات الحوثية، وهي حربٌ شهدت على تكاتف من قبل القوات الجنوبية مع التحالف العربي في خندق واحد، بينما ارتمى حزب الإصلاح المخترق للحكومة في أحضان الحوثيين.
المجلس الانتقالي، من خلال هذا الاتفاق، نجح في خطته المرحلية التي هدفت كما أعلن نائب رئيس المجلس هاني بن بريك في أكثر من مناسبة، أنّ استراتيجية المجلس في المرحلة الراهنة تتمثل في توحيد الجهود للقضاء على المشروع الإيراني.
المملكة العربية السعودية كان ضمن أحد أهم أهدافها في إنجاز اتفاق الرياض، أن تُضبط بوصلة الحرب على الحوثيين، بعدما شوِّهت حكومة الشرعية، وهي تحت الاختراق الإخواني مسار هذه الحرب بشكل كبير، وارتمت في أحضان الحوثيين عبر تسليم مواقع والانسحاب من الجبهات.
يحمل هذا الأمر أكثر من معنى، الأول أنّ المجلس الانتقالي له رؤية استراتيجية ويحدِّد أهدافًا لكل مرحلة سياسية دون تعجُّل من أمره بالنظر إلى التحديات الراهنة، وهو مسنودًا بوعي شعبي جارف يدرك حجم المخاطر ويسير واثق الخطى خلف قيادته.
في المقابل، فلم يكن مستغربًا أبدًا أن يوجد فصيلٌ ما يعمل على إفشال الاتفاق سواء أثناء محادثاته أو حتى بعد التوصُّل إليه، وهم عناصر حزب الإصلاح الإخواني الإرهابي سواء النافذون في حكومة الشرعية أو أبواقهم الذين يتكسَّبون كثيرًا من جرّاء هذا الأمر.
ولا شك أنّ هناك كثيرًا الخسائر التي مُنِي بها حزب الإصلاح بعد التوصُّل إلى الاتفاق، فضبط بوصلة الحرب على الحوثيين ما يُعجِّل بالقضاء عليهم نهائيًّا يمثل خسائر سياسية وعسكرية وحتى مالية لـ"إخوان الشرعية"، الذين استغلوا حالة الحرب من أجل تحقيق كل هذه المكاسب.
وعلى مدار سنوات الحرب، استطاع حزب الإصلاح أن يُحوِّل حكومة الشرعية لما تُشبه معسكرات إرهابية، بعدما ارتمى في أحضان المليشيات الحوثية، وتعاون مع تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، في عدوانه الذي لم يستهدف الجنوب وحسب بل عمد كذلك إلى النيل من التحالف العربي، عبر تجميد جبهات في مواجهة الحوثيين من جانب، أو تسليم المليشيات مواقع استراتيجية أخرى.
اتفاق جدة يعد تحرُّكًا حاسمًا من قبل التحالف العربي لضبط بوصلة الحرب، لا سيّما فيما يتعلق بالسيطرة الإخوانية على مفاصل قوات الشرعية، وهو حتمًا أمرٌ لن تقبله قيادة التحالف في مرحلة ما بعد الاتفاق؛ وذلك إدراكًا من المملكة العربية السعودية بأنّ استمرار هذا العبث يعني عدم حسم المعركة مع المليشيات الحوثية.
في الوقت نفسه، فإنّ كافة الأطراف وفي مقدمتها التحالف العربي بقيادة المملكة باتت على قناعة كاملة بخطورة استمرار نفوذ حزب الإصلاح في حكومة الشرعية، وأنّ استئصاله سياسيًّا أصبح خطوة لازمة بعدما أصبح شغله الشاغل، صناعة الكراهية تارةً ضد الجنوب، وتارةً ضد الإمارات، حتى السعودية فقد نالها ما نالها من هذه السياسة الإخوانية.
قادة حزب الإصلاح الإخواني قاموا كذلك، وهم متسترون وراء مصطلح الشرعية، بارتكاب الكثير من جرائم الفساد، حتى كوّنوا ثروات مالية طائلة، ولا شك أنّ إقرار اتفاق جدة لبند الرقابة والمحاسبة والشفافية سيقضي هذا الجُرم الكبير.
يعني كل ذلك، أنّ التوصُّل إلى اتفاق الرياض يمثل الكثير من الخسائر لحزب الإصلاح الإخواني على كافة الأصعدة، وهو ما يُفسِّر المحاولات التي لم تتوقّف من قِبل هذا الفصيل لإفشال المحادثات أثناء إجرائها وحتى بعد التوصُّل لاتفاق، لا سيّما ما فعله المدعو أحمد الميسيري والمدعو صالح الجبواني، حيث لعب الاثنان دورًا إرهابيًّا بامتياز للحفاظ على مصالحهما.