همس اليراع
مائة يوم على استشهاد اللواء صالح الفلاحي ورفاقه !!!
د. عيدروس النقيب
مائة يوم مضت على استشهاد اللواء صالح أحمد الفلاحي ورفاقه، الشهداء الذين قتلتهم قوات حماية المراهقين السياسيين، الذين اعتبروا مشاركة هؤلاء الأبطال في تشييع شهداء معسكر الجلاء وشرطة الشيخ عثمان جريمة عقوبتها الإعدام وبدون محاكمة.
نتحدث عن الشهيد الفلاحي دون أن نهمل كل قطرة دم لأي شهيد أو جريح سالت بسبب مجموعة من الطائشين (الستينيين) الذين استوطنتهم غريزة الاستعلاء والاستخفاف بالدماء والأرواح، لكن من نتحدث عنه هنا هو رجل صاحب رصيد تاريخي يمتد إلى ما يقارب نصف قرن من العمل الفدائي والاجتماعي والإنشائي والأمني والإداري، مما لا يمكن لأي من الطارئين الذين يعتبرون إطلاق الرصاص في وجوه المدنيين وظيفة حكومية أو لعبة مسلية أن يدركوه، ناهيك عن أن يصلوا إلى سطر من سجله الحافل.
انخرط الشهيد الفلاحي في العمل الوطني والسياسي والفدائي في منتصف ستينات القرن الماضي، عندما كان قاتلوه، صبيةً مجهولون، وربما لم يخلق بعضهم بعد.
الشهيد الفلاحي من بناة الدولة الوطنية الجنوبية الفتية (1967 ـ 1990م) التي ما يزال عبق مجدها راسخا في وجدان من عاشوه وتنفسوا هواءه وبنوا أحلامهم على وقائعه وصاغوا مستقبلهم من عطائه.
كان الشهيد الفلاحين مبدعاً ومبتكراً حيثما حلَّ
ففي الحرس الشعبي تدرب الشهيد على أهم مبادئ العمل العسكري ونجح في تولي مسؤوليات لم يخفق قط في الاضطلاع بها، وكان يفاجئ رؤسائه ومرؤوسية بنتائج عمل لم يتوقعوهاا منه، وفي العمل الأمني أبلى أحسن البلاء مع ثلة من رفاقه في ضبط الأمن والاستقرار في المواقع التي عمل فيها، وكانت عطاءاته تفوق ما انتظره منه رفاقه وقادته، وصار قدوة لكثير ممن عايشوه أو تتلمذوا على يديه، وعندما اقتضت الضرورة انتقاله إلى العمل في القيادة الإدارية لم ينثن عن مسار النجاحات المعهودة عنه، منذ إن بدأ في عمله في مديرية الحد (يافع) فمديرية يافع، فردفان ثم انتقاله إلى مأرب بعد العام 1990م وفي كل مرة كان يحقق تأقلما غير معهود مع التحديات التي تنتصب أمامه.
وحينما ذهب البعض للتسابق على تحقيق ما أمكن من أدوات الإثراء، زَهد الشهيد الفلاحي بكل هذا واكتفى بالجراح التي تعرض لها أثناء فترة العمل الأمني والعسكري ومحاولة الاغتيال في مأرب، وحافظ على سجله النقي المرصع بتيجان النقاء والنزاهة ونياشين الوطنية والكرامة وأوسمة السمعة العطرة، أما حينما حل المنتقمون ضيوفاً ثقالاً على الجنوب بعد العام 1994م فقد فضل الشهيد مع آلاف زملائه ورفاقه أن يتجرعَ الكأس المرة على أن يبيع قناعاته ببعض الفتات أو حتى بكل الفتات، واعتكف في منزله في عدن واتجه لتنشئة أبنائه وبناته على القيم الفاضلة التي نشأ عليها، وانخرط في العمل المجتعي من خلال معالجة احتياجات الناس وإصلاح ذات البين حينما تخلت الدولة (المفترضة) عن وظائفها وتفرغ أساطينها لاستزراع الفتن ودق الأسافين ومواصلة السلب والنهب.
لم يغب الشهيد الفلاحي عن ثورة الحراك السلمي الجنوبية منذ انطلاقتها الأولى وكان حاضرا بفعالية قوية في معظم الفعاليات السلمية، وبرغم تقدمه في السن فلم يغب أيضا عن مقاومة الغزو الثاني في العام 2015م، وشارك في حشد الفدائيين والمقاتلين، وقيادة بعض الجبهات ولم يدع بندقيته إلا بعد اندحار الجماعات الغازية وتحرير عدن ولحج وكل المناطق الجنوبية من غزاة المشروع السلالي الجهوي المدعوم من أعداء العرب واليمنيين.
لم أسع إلى كتابة السيرة الذاتية للشهيد الفلاحي فسيرته أكبر من أن تدون في منشور أو مجموعة منشورات، لكنني أردت التذكير بمكانة وتاريخ شهيد جرى الوطن مجرى دمه واستوطنت قضية الوطن كيانه وكينونته، وقدم شبابه وعمره وكل حياته وروحه ودمه من أجل هذا الوطن، ولم يسع لنيل المكافأة أو استثمار نضاله في سبيل تحقيق مصالح وقتية أو حتى دائمة كما يفعل بعض المتهافتين الذين ما إن يكتب منشورا، أو يشارك في مسيرة حتى يتقمص شخصية المناضل ويشرع في تقديم أوراق تضحياته للمطالبة باستحقاقات لا يستحق عليها قيمة الورق الذي يدون عليها ادعاءاته.
لك الرحمة والخلود أيها الشهيد البطل، ولذكراك المجد في أنصع صفحات التاريخ الجنوبي المشرق.
نم قرير العين أيها الشهيد فقضيتك حيةٌ في وجدان الملايين، وتلاميذك ماضون على نفس الطريق الذي انتهجته منذ ريعان الشباب حتى يوم معانقتك الثرى.