نهاية أسطورة قائد “الجنجويد” بوقوعه في يد الجيش السوداني
دُهش الكثيرون لاعتقال الزعيم القبلي السوداني موسى هلال، وصعقوا من نهاية “أسطورة القوة” التي رسمها الرجل لنفسه بكل سهولة.
فبإلقاء “قوات الدعم السريع”، التابعة للجيش السوداني، القبض عليه وعلى أنجاله ومعاونيه، من دون مقاومة تذكر، تكون أنهت “أسطورة إعلامية” صنعها الرجل طيلة أعوام.
وتبين أن هلال كان “أسطورة إعلامية”، إذ استسلم بعد معركة قصيرة لهجوم سيارات دفع رباعي مسلحة على معقله بـ”مستريحة”، بولاية شمال دارفور، غربي البلاد.
وسارع الجيش السوداني، مساء الاثنين، إلى إعلان احتجازه وثلاثة من أنجاله وكبار معاونيه.
وبدأت وقائع النهاية، حسب قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان حميدتي، قبل أيام بقيام قوات تابعة لهلال بنصب كمين للعميد عبد الرحيم جمعة القائد في “الدعم السريع”، فقتلته و13 آخرين من جنوده.
ولم يكتف حميدتي بالقبض على هلال، بل تعهد بمواصلة جهود “بسط هيبة الدولة دون هوادة أو مجاملة لأحد مهما كانت الكلفة”، ويأتي ذلك استمرارًا لحملة جمع السلاح الموكلة لقواته، والتي يناهضها الرجل، وفق تصريحات قائد قوات الدعم لوكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وبعد القبض عليه اتهمه حميدتي، بالضلوع في “مؤامرة بأجندة خارجية”، لزعزعة الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، مستدلًا بضبطهم لمن سمّاه “أجنبي – من الجنسية الجزائرية – ضمن مجموعة هلال”، وبحوزته أجهزة اتصالات متطورة.
لكن الراجح أن القصة لم تبدأ فعلًا في ذلك الوقت؛ لأن وسائل إعلام محلية ودولية نقلت أخيراً، أن قوات الدعم السريع، اعتقلت حرس هلال الشخصي، وقتلت 19 من الموالين له، قرب الحدود مع ليبيا.
وإثر تلك الحادثة وما قبلها، بدأ هلال يتحسس عنقه، بعد أن عرف أن الحلقة تضيق عليه، فاتهم جهات نافذة في السلطة بإثارة الفتنة، والسعي لتصفية حسابات معه.
ويرجع الخبير العسكري عبد الرحمن حسن ما حدث، إلى خلافات شخصية، بين هلال وأبناء عمومته، وعلى رأسهم قائد الدعم السريع حميدتي.
ويوضح أن هلال “قام سابقاً بأدوار بارزة لصالح الحكومة”ً، لكنه أصبح مهددًا للأمن؛ ما دفعها للتدخل وحسم الأزمة، قاطعًا بأن “رفض الرجل لحملة جمع السلاح عجّل بتلك النهاية”.
وبرز هلال المولود في “كتم” بشمال دارفور عام 1961، كقائد لميليشيا شهيرة محسوبة على مجموعة القبائل العربية، أطلق عليها وقتها “قوات الجنجويد”، حاربت إلى جانب الحكومة منذ اندلاع النزاع في دارفور عام 2003.
ومثل معظم الزعماء القبليين، لموسى ثلاث زوجات، رزق منهن بثلاثة عشر مولودًا بين ذكور وإناث، ومن بينهم الثلاثة الذين احتجزوا معه “حبيب، وعبد الباسط، وفتحي”، وابنة تزوجت الرئيس التشادي إدريس ديبي في زفاف أسطوري، ثم انفصلت عنه لاحقاً.
على القوائم الأمريكية
ويتزعم هلال عشيرة “المحاميد”، إحدى أفخاذ قبيلة “الرزيقات” العربية شديدة المراس، وإلى ذلك أسس الميليشيا الشهيرة، ثم تطورت لاحقاً إلى قوات “حرس الحدود”، التي انضمت للجيش السوداني، لكنها اختارت الولاء لمؤسسها.
وأدى إسناد هلال للقوات الحكومية، لفرض حظر سفر دولي وتجميد ممتلكات، بعد اتهامه بعرقلة عملية السلام في دارفور، من مجلس الأمن 2006، ثم وضعته الإدارة الأمريكية، على قائمة المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في الإقليم، لكن محكمة الجنايات الدولية لم توجه له اتهامات أو تصدر مذكرات قبض بحقه.
وفي يناير/ كانون الثاني 2014، أسس هلال “مجلس الصحوة الثوري” في بلدته “مستريحة” باعتباره حزباً سياسياً لكل السودانيين، يسعى عبره لعقد مصالحات اجتماعية وإصلاحات سياسية، وذلك بعد أن تحطمت طموحاته في الحصول على منصب والٍ بولاية شمال دارفور، أو نائب للرئيس.
غادر هلال الخرطوم وفي “جيبه” بطاقة نائب في المجلس الوطني “البرلمان السوداني”، ولم تلغ عضويته به بعد، إلى جانب شغله في وقت سابق لمنصب مستشار في ديوان الحكم الاتحادي التابع للرئاسة.
حملة جمع السلاح
وبذلت الحكومة السودانية جهوداً حثيثة لإعادته للخرطوم، أفلحت أحياناً، لكنها فشلت في المرة الأخيرة، فبدأ الخلاف الذي أدى للقبض عليه، لرفضه الاستجابة لحملة جمع السلاح، وإلحاق قواته بقوات الدعم السريع التي يقودها ابن عمه محمد حمدان حميدتي.
وهي الحملة التي أطلقتها الحكومة السودانية في الـ 6 من أغسطس/ آب الماضي، وتهدف لجمع السلاح غير المرخص، وانتهت مرحلتها الطوعية، وبدأت مرحلة الجمع القسري منها.
ثم تسارعت الأحداث فوصل “الرجل القوي” الخرطوم، وهو مقيد اليدين، ليضع بذلك سؤال “دارفور” على المحك، هل تستقر أو أن حربًا جديدة ستولد في دارفور من غضب “المحاميد”؟.
وفي إجابة السؤال، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد، إن الخرطوم أرادت باعتقال هلال، توصيل بضع رسائل باتجاه “المتفلتين”، أهمها “ألاّ سقف لعملية جمع السلاح، مهما كانت أهمية الأشخاص”.
وقطع عبد الحميد، بأن “اعتقال هلال سيدخل الرعب في نفوس المتفلتين ورافضي جمع السلاح” من جهة، لكنه سيصب الزيت على النار، حال تدخل أطراف إقليمية ودولية، لتوفر وقوداً للصراع القبلي من جديد”.
قال ذلك، وشدد على ما سمّاه ضرورة “التهدئة وإعمال العقل” في عملية جمع السلاح لتفادي انفلات الأوضاع.
بيد أن المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس، فسّر التداعي السريع للأحداث بين هلال وحلفائه السابقين، بأن “الخرطوم درجت على استخدام الزعيم القبلي مرة واحدة، ولإنجاز مرحلة محددة، وثم استبداله بآخر”.
ويقول “الآن انتهت مرحلة موسى هلال، وبدأت مرحلة لاعبين جدد تجسدت في ابن عمه محمد حمدان دقلو، لإنجاز المرحلة الحالية”.
وتضاف أحداث مستريحة إلى أحداث دارفور، والتي ظلت منذ 2003 مسرحاً لعمليات عسكرية، ومرتعاً لفصائل مسلحة متمردة، “وما حدث لهلال ومنه” أحد تجليات هذه الأزمة ونتائجها.
ولا يعرف ما إن كانت الحرب التي خلفت نحو 300 ألف قتيل وشردت قرابة 2.7 مليون شخص، ستنتهي دون دفع الأطراف للثمن، فلربما يكون اعتقال هلال قرباناً للمصالحة، أو شرارة قدح لحرب جديدة.