من يخلف خامنئي؟.. تفاصيل الحرب الصامة في إيران

الجمعة 24 يناير 2020 20:43:10
testus -US
شهدت إيران هذا الشهر، حدثين بالغي الأهمية في أذهان قادة البلاد على الأقل، فعندما قام المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بتلاوة آية قرآنية على المصلين يوم الجمعة الماضي، تتحدث عن إخراج الناس من الظلام إلى النور، وتذكرهم بأيام الله، ذكّرهم بما وصفه بالنعم التي جلبها حدثان مختلفان على مدار 5 أيام.
ووفقا لصحيفة ”فايننشال تايمز“ البريطانية، فإن الحدث الأول هو ما وصفه بأنه ”أكبر موكب جنازة في العالم“ لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، للعمليات الخارجية، والذي قُتل على يد الولايات المتحدة في بغداد في الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري.
والثاني هو الضربات الصاروخية غير المسبوقة على قواعد تستضيف القوات الأمريكية في العراق يوم 8 يناير/ كانون الثاني من قِبل نخبة قوات الحرس الثوري.
وأرسل خامنئي الذي استخدم أسلوب استعارة برسالة واضحة للسياسيين الإيرانيين وإلى بقية العالم، إذ يعتقد المحللون أن إيران سوف تكون أكثر ثباتا على مبادئها الإيديولوجية في الداخل، وأن الحرس الثوري سيعزز التطرف في بقية أنحاء الشرق الأوسط.
ويأتي دعم خامنئي الثابت للحرس الثوري، على الرغم من دورهم في إسقاط الطائرة الأوكرانية، والتي قتل على متنها 82 إيرانيا، بعد ساعات فقط من الهجوم على القوات الأمريكية، وعلى خلفية معركة متوترة حول من سيحل محل خامنئي البالغ من العمر 80 عاما، عندما يموت.
وسيحدد هذا القرار مصير إيران خلال العقود القادمة، وسيعتمد الخيار على توازن القوى في ذلك الوقت داخل إيران، في الأسابيع الأخيرة، وما إذا كان هذا التوازن يميل أكثر لصالح الحرس الثوري وأنصاره المتشددين.
”ألاعيب معقدة“
ويقول محلل إصلاحي: ”نشهد ألاعيب محلية وخارجية أكثر تعقيدا، تركزت جميعها على مسألة الخلافة، ويبدو أن زيادة سلطة الحرس الثوري هو سياسة متعمدة لجعله القوة المهيمنة، حتى يتمكن من لعب الدور الرئيسي في انتقال السلطة“.
ووفقا للعديد من المتشددين، تبرز الأحداث الحاجة إلى وجود زعيم براغماتي آخر مستعد للوقوف في وجه الولايات المتحدة، كما يقللون من تكهنات الإصلاحيين بأن الإيرانيين سيريدون أن يكون المرشد الأعلى المقبل مجرد منصب اسمي، بدلا من منصب قيادي قوي.
وكان آية الله خامنئي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، هو الذي أذن بأول هجوم صاروخي مباشر على القوات الأمريكية، والذي تم تصميمه لإظهار تصميم إيران على الانتقام لاغتيال سليماني دون شن حرب شاملة.
وعلى الرغم من أن الهجوم لم يقتل أي جنود أمريكيين، إلا أن إيران أرسلت رسائل إلى الولايات المتحدة عبر السفارة السويسرية، تفيد بأنها ستكون الضربة الأولى والأخيرة إذا امتنعت الإدارة الأمريكية عن الرد.
ويقول أحد أقرباء المرشد الأعلى إن ”التطورات الأخيرة كانت بمثابة دعوة للاستيقاظ، لقد ذكرونا أن الولايات المتحدة يمكنها الاقتراب من الحرب مع إيران، ونحن بحاجة إلى زعيم شجاع آخر قادر على الحفاظ على استقرار البلد وقوته“.
وأضاف: ”لا يمكن للبلاد تحمل مخاطرة المرور بفترة تجربة على يد قائد عديم الخبرة“.
ولاية الفقيه
يعتمد النظام الديني الإيراني على ”ولاية الفقيه“، وهو حكم الفقه في ظل الإسلام الشيعي، ووفقا للتفسير الذي يفضله السياسيون المتشددون، وقد يتم اختيار الزعيم الديني من قِبل كبار رجال الدين في جمعية الخبراء، ولكن يُعتقد أنه سيتم تعيينه من قِبل الله لحكم العالم الإسلامي في غياب أحفاد النبي محمد المعصومين عن الخطأ.
إلا أن السياسيين الإصلاحيين يرفضون هذا التفسير الديني، وبدلا من ذلك، يقولون إن اعتماد المرشد يحتاج إلى شرعية عامة تتجلى في الانتخابات الوطنية.
وكانت هذه التفسيرات المختلفة في قلب الصراع السياسي الإيراني منذ عام 1989، عندما حل آية الله خامنئي محل آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية عام 1979، إذ اعتمد خامنئي، الذي لا يتمتع بالجاذبية أو المؤهلات الدينية العالية لسلفه، بدلا من ذلك على الدستور المنقح، والذي أعطاه ”سلطة مطلقة“ على جميع شؤون الدولة.
ومنذ ذلك الحين، ساعد خامنئي الحرس الثوري على توسيع نفوذه وحوله إلى ذراعه اليمنى في ممارسة السلطة، وبعد الأحداث الأخيرة، من المحتمل الآن تسريع تلك الجهود، كما يرجح المقربون من النظام.
ويقول أحد المطلعين على الموضوع: ”عندما يموت خامنئي، لا سمح الله، سيتولى الحرس الثوري السيطرة بالكامل على البلاد حتى تتمكن جمعية الخبراء من اختيار قائد، وفي ذلك اليوم، سيكون الحرس الثوري هو القوة العليا في التأثير على الاختيار، وكبح أي أزمات محتملة، والأهم من ذلك الحفاظ على السلامة الإقليمية“.
الحرس الثوري الإيراني
ويتضمن الحرس الثوري الإيراني 120 ألف شخص، وهو المؤسسة الإيرانية الأكثر تنظيما، مما يمنحها نفوذا كبيرا على الخلافة، كما أنه يسيطر على قوة متطوعة يُعتقد أنها تتكون من عدة ملايين، مما يزيد من قدرته على ممارسة هذا النفوذ، فهي ليست مجرد قوة عسكرية، فالسياسيون المقربون من الحرس موجودون في مؤسسات مختلفة مثل مكتب الزعيم والبرلمان والقضاء.
ويعتقد أن لهم مصالح في مجالات متنوعة مثل الاتصالات والتجارة والبتروكيماويات وقطاعات أخرى، وهو ما حاول الرئيس حسن روحاني في السابق كبحه عن طريق الاستغناء عن العقود في الشركات المملوكة للدولة.
كما وسع الحرس من نفوذه الثقافي، من خلال إنتاج الأفلام والبرامج الوثائقية والفن المعاصر، كما يدير جهاز مخابرات مخيفا مسؤولا عن سجن الناشطين المؤيدين للديمقراطية والمواطنين ذوي الجنسية المزدوجة المتهمين بالتجسس.
في حين أن الحرس لديه بعض التأثير على آية الله خامنئي، بحسب محللين، فهم موالون له ويحترمون كلمته الأخيرة في جميع الشؤون، إلا أن الزعيم القادم، قد لا يتمتع بمثل هذه السلطة.
ويقول أمير محببيان، وهو خبير مقرب من القوات المحافظة في البلاد إن ”الحرس في موقف قوي بحيث لا يستطيع أي زعيم في المستقبل تهديد مصالحه، نحن دائما في حالة طوارئ ونحتاج بشدة إلى الاستقرار في بلد يعاني من مخاوف تاريخية من انعدام الأمن“.
من جانبه، يقول الحرس الثوري إنه ملزم بواجب دستوري في الحفاظ على حدود البلاد، ولكنه مسؤول أيضا عن ”تحقيق المهمة الإيديولوجية للجهاد في سبيل الله“.
وهذا يترجم إلى أن الحرس الثوري يعتقد أنه يتحمل مسؤولية تحفيز البلاد ضد أي تهديد أمريكي متوقع لإيران والعالم الإسلامي، ويخشى المتشددون في طهران من قدرة واشنطن على التأثير على السياسة الإيرانية، ويشكون في أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة والإصلاحيين في إيران كانوا يأملون منذ فترة طويلة في حل الخلافات التاريخية بين البلدين ليتمكنوا من تشكيل مستقبل الجمهورية الإسلامية.
وعندما وقّع روحاني الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الكبرى الأخرى في عام 2015، لكبح طموحات طهران النووية، تزايدت المخاوف داخل الحرس حول احتمال تراجع النفوذ الإيراني داخل المنطقة، وكان هذا أمرا مقلقا بشكل خاص، لأن روحاني أعيد انتخابه بفارق كبير في عام 2017، عندما وعد برفع جميع العقوبات الأمريكية، وهو تصريح واضح لرغبته في التقارب.
ومع ذلك، سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، وفرض عقوبات أكثر صرامة على البلاد، مما محا إنجاز روحاني المميز ومعه أي طموحات لديه لأن يصبح المرشد الأعلى التالي.
وقال مصدر مقرب من النظام: ”حتى لو تفاوضنا يوما ما مع الولايات المتحدة، فلن تكون المحادثات مع ترامب؛ وستكون خطوة استراتيجية وليست تطبيع العلاقات، ولن تتم إلا من قِبل المحافظين وليس الإصلاحيين، فنحن بحاجة إلى رؤية تغييرات في الكونغرس الأمريكي؛ وما إذا كان الديمقراطيون سوف يتبعون سياسة عادلة لا تتعرض بها إيران لضغوط بسبب برنامجها الصاروخي“.
ويبدو أن الاستراتيجية في الوقت الحالي هي التقليل من العقوبات الأمريكية الجديدة القاسية، وتعبئة الرأي العام في المنطقة ضد واشنطن وإسرائيل.
ويقول سياسي إصلاحي إن ”هوية الحرس الثوري وسلطته تتعارض مع الولايات المتحدة، وهو يعلم أنه إذا تراجع، فسيطاردهم الأمريكيون، وسينخرط الحرس الثوري في نشاطات أصبحت أكثر عنفا، ولكنه لا يزال حريصا على عدم المخاطرة ببقاء النظام“.
ومع ذلك، يقول الإصلاحيون إن الحرس يتجاوز الحدود، سواء في السياسة الداخلية أو في الشرق الأوسط، مع حوادث مثل الهجوم المزعوم على منشآت ”أرامكو“ السعودية في العام الماضي، والتي يمكن أن تثير المزيد من الاضطرابات في الداخل.
فالمجتمع الإيراني ليس مطيعا كما كان قبل 3 عقود، وربما يكون أقل استعدادا لقبول زعيم جديد إذا كان قريبا من القوى المتشددة، إذ بات الإيرانيون أكثر تعليما ويتحدون الحدود باستمرار، مما أجبر حكام الجمهورية على السماح بفتح البلاد سياسيا وثقافيا واجتماعيا بشكل جزئي.
ويحذر السياسيون الإصلاحيون من أن الرأي العام الإيراني لا يمكن أن يتحمل عدوانية النظام المحفوفة بالمخاطر مع الولايات المتحدة إلى الأبد، الأمر الذي أبرزه حادث إسقاط طائرة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها والطاقم البالغ عددهم 176 شخصا.
وبعد النفي الأولي، اعترف الحرس بالخطأ، ولكن بعد أن كشفت الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا جميعا عن تفاصيل دور إيران غير المقصود في الكارثة، وهذا الإقرار أضر بالإيمان العام بالنظام في إيران بقدر كبير.
الاحتجاجات
وتدفق الآلاف من الناس في المدن الكبرى، بما في ذلك طلاب الجامعات، إلى الشوارع، ورددوا شعارات استفزازية، ووصفوا المرشد الأعلى بـ“القاتل“ الذي كانت ولايته ”لاغية وباطلة“ وشبهوا الحرس الثوري بداعش.
من جانبه، لم يتراجع آية الله خامنئي، قائلا إن ”هؤلاء المئات لا يقارنوا بعشرات الملايين“ الذين حضروا جنازة سليماني.
ويقول المطلعون: ”يمكن للنظام أن يتسامح مع المعارضة غير المسلحة، وهو يدرك أنه سيشهد المزيد من الاحتجاجات، ولكن كل هذه الأمور قابلة للإدارة“.
وأضافوا: ”لن نسمح للمجموعات المؤيدة للإصلاح باستخدام حادثة الطائرة لتلقي بظلالها على مكاسب جنازة سليماني“.
وتأتي أحدث الاحتجاجات في أعقاب الاضطرابات العنيفة في جميع أنحاء البلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي قاد معظمها المتظاهرون من الطبقة العاملة، وكانوا من داعمي النظام في السابق، وانتقدوا القائد الأعلى والمشقة والمعاناة المتزايدة في البلاد، بما في ذلك التضخم الذي وصل إلى 38.6% في العام وانخفاض العملة الوطنية بنحو 60%، بسبب العقوبات الأمريكية والفساد الهائل.
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، قمع الحرس الثوري أعمال الشغب بوحشية، وفتح النار على المتظاهرين، وقتل نحو 300 شخص.
ومع ذلك، فقد الكثير من الإيرانيين الثقة في قدرة الإصلاحيين على إجراء أي تغيير، إذ مُنع معظم المرشحين الإصلاحيين من الترشح للانتخابات البرلمانية في فبراير/ شباط، والتي من المتوقع أن تمهد الطريق لتحقيق نصر للمتشددين.
وبالتطلع إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2021، يعتقد بعض المراقبين السياسيين أن المرشح الناجح سيكون شابا متشددا له دوافع أيديولوجية.
ولم يصبح المتنافسون المحتملون جزءا من المناقشات العامة، ولا أسماء المرشحين لشغل منصب القائد الأعلى، إذ تخشى الجماعات السياسية من أن تصبح خياراتها المفضلة ضحية لما يسمى ”متلازمة الخشخاش الطويلة“ (استياء العامة من أصحاب المكانة العالية) إذا اكتسبت مكانة عالية للغاية في هذه المرحلة.
مجتبى نجل خامنئي
وفي المحادثات الخاصة، تكثر التكهنات حول من سيفضله الحرس الثوري، وبالنظر إلى الأحداث الأخيرة، يرجح العديد من الخبراء أن يتم ترشيح نجل آية الله خامنئي الثاني، مجتبى، على الرغم من أنه لا يزال بعيدا عن الأضواء في حياته الدينية والسياسية.
ويدرّس مجتبى البالغ من العمر 51 عاما في مركز ”قم“ لتعليم الإسلام الشيعي، مما يمنحه مكانة رجل الدين رفيع المستوى الضرورية لشغل دور المرشد الأعلى، ويقول أحد أقاربه إنه بفضل عقليته المماثلة لأبيه، فإن لديه نظرة ثاقبة في القضايا السياسية والعسكرية، وهو يدعم فكرة الاقتصاد القائم على المعرفة.
وأضاف أقاربه: ”لديه علاقات جيدة مع الحرس الثوري، وقد لا يتمتع بسلطة والده، لكن الحرس لا يستطيع السيطرة عليه“.
وقلل المطلعون على خبايا النظام من التوقعات التي تشير إلى أن مثل هذا الاختيار يمكن أن يجعل الجمهورية الإسلامية تبدو وكأنها الملكية الوراثية التي أُطيح بها في البلاد قبل أكثر من 40 عاما.
أما المرشح المحتمل الآخر فهو إبراهيم الريسي، رئيس القضاء المتشدد الذي خسر الانتخابات الرئاسية لعام 2017 لصالح روحاني، ومنذ ذلك الحين شن حملة ضد الفساد.
ويقول أحد المحللين المحافظين، والذي يعتقد أن الأوضاع ستكون لصالح الحرس الثوري: ”ما يحدد اختيار المرشد الأعلى هو تكاليف وفوائد المكافأة السياسية القائمة بين مجموعات المصالح المختلفة، إذ يجب أن تعتقد الجماعات السياسية والمجتمع أن هذا الاختيار سيصب في مصلحتهم“.
ويأتي هذا التنافس بين المرشحين المحتملين في وقت يتغير فيه مركز ”قم“، إذ لعبت الندوات دورا حيويا في انتصار الثورة الإيرانية سابقا، وهي الآن ثاني أهم مؤسسة إيرانية بعد الحرس، ومع ذلك، فإن كبار رجال الدين في المركز هم من المسنين.
إذ يبلغ آية الله حسين وحيد خراساني، أكبر رجل دين في المركز، من العمر 99 عاما، وتشتمل الشخصيات الكبرى الأخرى، لطف الله صافي غولبايغاني (100 عام)، وحسين نوري حمداني (94 عاما)، وناصر مكارم الشيرازي (92 عاما)، وموسى الشبيري زنجاني (91 عاما).
في حين تتركز اهتمامات رجال الدين الرئيسية حول تدين الناس، والذي ضعف في ظل الجمهورية الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية، إلا أن الحرس مصمم على أن يكونوا المؤسسة الأيديولوجية والسياسية المركزية التي يمكنها اختيار الزعيم الديني التالي لحكم إيران، وتوسيع نفوذها عبر الحدود في العراق.
ويقول المتشددون: ”كل ما يفعله الأمريكيون يفيدنا، بما في ذلك حروبهم في العراق وأفغانستان وقتل سليماني، إن بلدنا يديرها الإمام الأخير (المهدي) الذي يقرر أيام الله وسيساعدنا في اختيار قائد عظيم عندما يحين اليوم“.