70% من مقاتلي جماعة الحوثي أطفال ..
تجنيد الأطفال .. منظومة الحوثيين في التعبئة الفكرية والعقائدية
إلى طريق الموت يلتحق يومياً شباب في أعمار الزهور دونما سبب أو وازع حقيقي سوى خدمة جماعة ما انفكت تعبث بفلذات الأكباد ودأبت على استغلالهم بشكل بشع للغاية في حروبها الدموية التي تخوضها دون هدف أو غاية محددة سوى بسط نفوذها وتكريس هيمنتها وسيطرتها على أجزاء من التراب اليمني.
بصورة يومية ينهش الموت أجساد شباب صغار في جبهات القتال ويلاقي عدد اخر منهم مصير الجرح جراء الاشتباكات التي لا تفرق بين صغير وكبير في الحرب الدائرة رحاها منذ ثلاث سنوات منقضية.
تكمن المشكلة في أن ضحايا الموت الذي يطال الملتحقين بجبهات القتال لفيف من الأطفال في عمر الورود يفترض لمن في سنهم أن يجدوا رعاية تعليمية وصحية وينالوا حقهم الطبيعي والأصيل من اللعب واللهو والمرح كغيرهم من أطفال اليمن.
تجنيد الاطفال بوصفه توجهاً استراتيجياً
تتفرد جماعة أنصار الله الحوثية عن سواها من الجماعات المقاتلة في اليمن بالاتجاه الاستراتيجي إلى تجنيد الأطفال والزج بهم في معارك ضارية نادراً من يخرجون منها سليمي البدن.
لا يكاد معسكر للحوثيين أو تجمع أو حشد عسكري يخلو من أطفال حيث يجري استغلالهم بشكل كبير وموحش للغاية بصورة تسيء إلى معاني الطفولة وما فرضه الاسلام في التعامل مع هذه المراحل العمرية وما جرت عليه أيضاً العادات والتقاليد أن لا يتم اقحام الصغار في أعمال وجدت خصيصاً للكبار.
معظم أسر وقرى وعزل ومدن الشمال اليمني لا تكاد تخلو من أطفال قتلى جرى تجنيدهم على يد جماعة الحوثي حيث ذهبوا صرعى في جبهات القتال ضد الجيش الوطني الموالي للرئيس هادي وقوات التحالف العربية.
أرقام مخيفة
نحو 11 ألف طفل جرى إلحاقهم بالعمل الحربي التابع لجماعة أنصار الله منذ بداية المعارك في الخامس عشر من شهر مارس 2015م، وهو تاريخ انطلاق عاصفة الحزم التي تشارك فيها دول عربية وإقليمية ضد جماعة أنصار الله الذين يطيب لأنصار هادي نعتها بالحركة الانقلابية.
مصدر خاص كشف لـ (المشهد العربي)، كان يعمل ضمن طاقم مركز توثيق تابع للجماعة في صنعاء معلومات عن عدد الضحايا من الأطفال، حيث يشير إلى أن نحو 1954 طفلا قتلوا من مجموع المجندين الأطفال في يوميات المعارك على جبهات القتال في حين أصيب وجرح منهم نحو 966 طفلا خلال العامين الأخيرين فقط من الحرب، معظمهم ينحدرون من المناطق الشمالية وتحديداً عمران وحجة وصنعاء والمناطق ذات الحاضنة الزيدية.
ويوجد أطفال اخرون وقعوا في الأسر ترجح مصادر حقوقية عددهم بحوالي 74 طفلاً جرى اعتقالهم وهم يقاتلون في صفوف جماعة الحوثي خلال الستة الأشهر الأخيرة من الحرب.
وحسب إحصائية خاصة فإن أكثر من أربعين طفلاً جرى اعتقالهم- أصبحوا يتلقون تاهيلاً خاصاً في مأرب من قبل إحدى المنظمات الحقوقية بينهم 34 طفلاً مازالوا معتقلين لدى الحكومة الشرعية والجيش الوطني الموالي لهادي موزعين على النحو الآتي:
7 أطفال تم اعتقالهم في جبهة ميدي وطفل في جبهات تعز وتسعة أطفال في جبهات الجوف واثنين في شبوة و13 طفلاً في جبهات الساحل الغربي، حيث يجري العمل على إعادة تأهيلهم في الأيام القادمة لدمجهم في المجتمع وإعادتهم إلى الدراسة حسب المصدر.
مراحل التجنيد على يد مشرفين حوثيين
في مناطق الشمال عموماً تجتهد جماعة أنصار الله في مساعيها الرامية إلى تخليق مقاتلين في أعمار الزهور للالتحاق بالمعارك في الميدان وتنتهج الجماعة أنماطاً شتى في هذه المساعي.
تقول مصادر مطلعة أن التجنيد يبدأ عبر التعبئة الفكرية والدينية التي تتخذ نهجاً صارماً ينتهي باقتناع المتلقي وهو عادةً طفل بكل ما يقوله رجال الجماعة وما يريدون تنفيذه عبر هذا الطفل.
حيث يتم تدريس ملازم مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي للأطفال في أعمار الزهور تمهيداً لنقلهم إلى معسكرات التدريب السرية التي يتم فيها تدريسهم مختلف فنون القتال وذلك قبل تهيئتهم للرحيل الى الجبهات.
تمتلك جماعة أنصار الله الحوثية مشرفين عقائديين ينتمون إلى السلالة الحوثية في كل المحافظات والمناطق التابعة والخاضعة لسيطرتها حيث جرى تاهيلهم سلفاً على ايدي رجال دين حوثيين كبار في صعدة، يتولى هؤلاء المشرفين مهام نشر الفكر الحوثي وتعبئة الشباب وخصوصاً من هم في سن الطفولة بمنهج الجماعة لاسيما في المناطق التي تتمتع بحواضن تنتمي إلى المذهب الزيدي.
وتشير المصادر إلى أن من يسمونهم بالمشرفين الثقافيين هم الذين يشرفون بالضبط على تجنيد الأطفال بوسائل متعددة تبدأ بإقامة المحاضرات الدينية في الجوامع بتعليل حفظ القران الكريم وتعليم الدين الاسلامي الأمر الذي يدفع ولاه الأمور إلى تشجيع أبناءهم الصغار على مثل هذه الأنشطة مادامت تعلم أبناءهم القران وأصول الدين الاسلامي.
على ان هذه المحاضرات الدينية ليست كل شيء بالطبع حيث ينخرط بعدها الاطفال في دورات تاهيلية بمراكز خاصة في الجماعة يتم خلالها تدريس ملازم الاب الروحي للجماعة حسين الحوثي مع رصد مكآفات مالية شهرية للمنتظمين في هذه الدورات والمراكز حيث يستلم الدارسون مبالغ لا تتعدى الخمسة الالاف ريال في الشهر الواحد وهو ما يشجع الكثيرين على الانضمام فيها.
مع ختام كل دورة تاهيلية يقوم المركز الحوثي بتنظيم حفل مصغر لتكريم الاوائل لتاتي بعدها المرحلة الحقيقية المتمثلة في دعوة الخريجين الى الجهاد ضد من تسميهم الجماعة باليهود والنصارى حيث يتم ارسال الاطفال الخريجين الى مواقع التدريب ليتلقوا تدريبات مكثفة على الاسلحة الشخصية ومختلف الاسلحة المتوسطة بالاضافة الى رمي القنابل وتعليم الشباب الصغار فنون القتال المختلفة على يد مدربين محترفين حيث تنتهي هذه الاعمال بارسال الاطفال الى جبهات القتال.
بين المعسكرات السرية وعقوبة الإعدام
في سبيل تجنيد الاطفال الصغار عمدت جماعة انصار الله الى تشكيل معسكرات سرية لا يعلم مكانها او موقعها سوى الملتحقين بالتدريب فيها وذلك خشية تعرضها للقصف او التدخل في مسار عملها وما تقوم به من اعمال تدريبية للمقاتلين الاطفال.
وحسب مصادر مطلعة فان المعسكرات التي يتم تدريب الاطفال فيها هي معسكرات غير تلك التابعة للقوات الحوثية وقوات الحرس الجمهوري حيث يتمركز بعضها في عمران وصعدة ومناطق اخرى ويتم التشديد على عدم السماح لاي كان بمعرفة مكان هذه المعسكرات بالضبط.
وتعتبر هذه المعسكرات من الاماكن السرية التي يتم التشديد على الملتحقين فيها بعدم الكشف عن مكانها نهائياً وتحت اي ظرف حيث ان الكشف عنها يؤدي الى مواجهة الشخص الذي ادى فعل الكشف لعقوبة الاعدام.
أفلام وثائقية عن حزب الله
لا تكتفي الجهات الراعية للمعسكرات التدريبية بما حصل عليه المتدرب في الدورة التاهيلية من فكر وتعبئة باتجاه الجهاد فحسب حيث يتلقى الملتحقون بالمعسكرات التدريبية تعبئة اخرى على هيئة اناشيد خاصة وزوامل متنوعة بالاضافة الى عرض افلام وثائقية عن حرب حزب الله مع اسرائيل ومعارك مقاتلي الحوثي في الجبهات الداخلية معظمها حسب المصادر انتصارات مفبركة يتم اعدادها وانتاجها على يد متخصصين في هذا الجانب لرفع معنوياتهم قبل ارسالهم الى جبهات القتال.
جهزوا قبراً لابنكم
حكايات وقصص عديدة تروي فجائع الاهالي بابنائهم الاطفال الذين التحقوا بجبهات القتال دون علم الاهالي ليلقوا مصرعهم في المعارك.
تدور احدى القصص الحقيقية حول خطيب جامع في احدى القرى بمديرية خولان بريف صنعاء وهو مشرف حوثي كان يطلب من الاهالي في خطبة يوم الجمعة ان يشجعوا اولادهم على الالتحاق بمراكز تحفيظ القران وعلوم الشريعة التابعة لجماعة انصار الله.
في التفاصيل يقول م.ع.ع من ابناء هذه القرية ان خطيب الجامع وجه نجله الوحيد بالالتحاق بمركز تحفيظ للقران وعلوم الشريعة تابع للحوثيين ورغم تذمر نجله من ذلك وعدم رغبته بهذا وميوله للعب مع اقرانه الا ان الاب فرض على الابن الالتحاق بالمركز من اجل حفظ القران وتعلم ما ينفعه من علوم الشريعة حسب قوله.
ويضيف م.ع.ع مع مرور الايام ترك الابن اللعب وتعمق في الدراسة بالمركز وكان يلتزم بالحضور الدائب بشكل منتظم حيث حصل على مكافات مالية وجوائز من المشرفين الحوثيين وينقل م.ع.ع على لسان والد الطفل "كنت اشعر بالارتياح الكبير" وكلما كنت التقي بالمشرف كان يقول لي ماشاء الله ابنك متميز وذكي وانا اشعر بالسعادة لهذا الاطراء وبعدها بثلاثة اشهر من الدراسة ابلغني ابني انه سوف يقوم بزيارة الى صنعاء مع اربعة من زملاءه في المركز ولم امانع بل اني دفعت له مصاريف اضافيه قلت يقلب جو لكنه بعد زيارة صنعاء لم يعد الى القرية فذهبت ذات يوم الى عند المشرف استفسره عن ابني فقال لا تقلق سيعود قريباً هو في دورة اخرى تصقل مواهبه ليخدم نفسه ويخدم وطنه واتصل على رقم لا ادري لمن وقال دع فلاناً يتحدث مع والده فأمسكت بالهاتف وتحدثت الى ابني وكان يقول لي لا تقلق يا ابتي انا مرتاح واواضب على تعلم امور تنفعني في الدنيا والاخرة فقلت له متى ستعود فقال سنتاخر يا ابتي عن العودة لكن لا تقلق فانا مرتاح جدا ويواصل الخطيب حديثه على لسان م.ع.ع اقتنعت بكلامه وعدت الى منزلي لاطمئن امه. غير ان غيابه طال كثيراً لكنه اي النجل كان يتصل بشكل شبه اسبوعي وفي اخر اتصال قبل ان يقتل بايام قليلة قلت له يا بني قلي بالصدق لماذا تاخرت فقال يا ابتي لا تخاف انا اصبحت رجال وعارف ما ينفعني وما يضرني انا توظفت مع المجاهدين ومرتاح ولله الحمد فقلت له يالله انت اخبر بنفسك.
ويستمر الاب في سرد الاحداث حيث يقول بعدها بايام بلغني ان ابني اصيب بجروح وهو يجاهد في منطقة نهم ودمعت عيناي ومعي زوجتي وقررنا ندخل صنعاء نزوره فذهبنا الى المشرف الحوثي لكي يخبرنا في اي مستشفى لان هاتف ابني غدا مغلقاً ولم اقدر على التواصل معه فصعقني بقوله الحمدلله سبحانه وتعالى ابنك شهيد وسوف يصل اليوم بالعصر واردف المشرف قائلاً جهزوا قبر.
ويختم الاب بالقول لم اتمالك نفسي ورجعت الى بيتي وانا لا ادري ماذا اقول لامه غير انها عرفت ان ابني مات من ملامح وجهي الذي تغير فقلت لها قالوا استشهد في نهم وجثته ستصل العصر وفعلاً وصلت العصر وتم دفنه ومازلنا نتذكره والادمع تذرف من اعيننا على فراقه.
جهد وطني وخارجي للكف عن تجنيد الأطفال
في شان تجنيد الاطفال تنتقد العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية هذا السلوك وتطالب في شتى بياناتها ومواقفها بالكف عن تعريض الاطفال للتجنيد وتشير احصائيات الى ان نحو سبعين في المائة من اجمالي العدد الكلي لمقاتلي جماعة الحوثي يتشكل من الاطفال الصغار.
اذن مازالت هذه المشكلة تتفاقم وتتعاظم وهو ما يتطلب جهداً وطنياً وخارجياً على كافة المستويات لاقناع الحوثيين بعدم الزج بالاطفال في اتون المعارك وترك زهور العمر لتنمو بعيداً عن العبث بمستقبل الاجيال