حتى لا تتحول قضيتنا إلى كرة نتقاذها كما الأطفال ! ( 1 – 2 )
أحمد عمر بن فريد
الشأن الوطني هو حقل عام , ومن حق اي شخص أن يفعل في مساحته ما يريد وفقا لما يمليه عليه واجبه وضميره الوطني , و بالكيفية التي يراها مناسبة وتعبر عن قناعاته ووجهة نظره , ومن هنا ينشأ " الآخر السياسي " الذي له حق الاحترام والتقدير من قبل نظرائه الآخرين , ومن المنطقي أن ينصرف المجموع الوطني في تفاعله الى ما يمكن أن يخدم الوطن واهدافه الاستراتيجية الكبيرة , وأن يعي أن " النقد البناء " وسيلة مطلوبة , وهامة قبل أن تكون حق مشروع , لكنه بذات القدر عليه أن يعي أن هنالك فرق كبير ما بين النقد الموضوعي و " التجريح المنفلت " الذي لا تستطيع ان تميز ما بينه وبين الشتيمة او " التهمة " التي ترتقي الى مرتبة " التخوين " في بعض الأحيان ...!
أن يتحول النقد البناء الى " تجريح " وحديث مسيئ , يمكن ان نتفهمه حينما يصدر من شخص جاهل محدود الثقافة أو التجربة , ولكنه يتحول الى " أمر مؤلم " حينما يصدر عن شخصيات كبيرة ذات باع وذارع في العمل الوطني والسياسي ! لأنه في هذه الحالة لا يصدر عن عقل هادىء بقدر ما يصدر عن عاطفة منفعلة تهيمن على وظيفة العقل في لحظات معينة وتلغيها , ولا يمكن لها هنا الا ان تنتج تشنجات , و وضع مشوه لا يليق بصاحبه ابدا .
من الطبيعي ايضا ان يكون المجلس الانتقالي الجنوبي " قبلة " النقد من قبل الكل .. وأن ينال الحظ الأوفر من السهام والتقويم ايضا , كونه يمثل وضعية سياسية كبيرة في الجنوب بدأت تنتشر و " تؤثر وتتأثر " ايضا .. ومن الطبيعي ان تنتقد تحالفاته واعماله ورموزه واداءه السياسي ولا عيب في ذلك ابدا , ولكنني لا اتفهم ان يهبط النقد الى استعانة اصحابه بكلمات جارحة لن تقدم في رحلة البحث عن وطن جنوبي حر الا كوابح ومعوقات ..! والأغرب في كل ذلك ان يتطابق في ذلك " المتناقضون " سياسيا وحتى وطنيا فيما بينهم في هذه الجزئية , ما يؤكد اننا امام حالة تتغلب فيها العاطفة على العقل , والا لما وجدنا حالة انسجام في توظيف المصطلحات ما بين من يسخر من المجلس الانتقالي بتسميته ب " المجلس الانتغالي " مع آخر يصفه " بمجلس البزبوز " أو ثالث يصفه ب " مجلس المطلقات " ..!! في حين انهم جميعا لا يجمعهم جامع الا هنا... أيها السادة.. ما أسهل الشتائم وما اجمل العقل والمنطق حينما يحضر
ويفرض نفسه .
من يوجه سهم عابث يطريقة نطق " القاف " الى " غين " يعتقد أنه يصيب به أهالي منطقة معينه من جنوبنا الحبيب بينما هو في حقيقة الأمر يصيب بها نفسه دون أن يعي بالمعنى الوطني العام , وحتى اذا ما هبطنا معه الى رصيف اللهجات المحلية لوجد صاحبنا هذا ان نصف " قبيلته " تنطق " القاف غين " ايضا ! وعلى اية حال لا اريد أن نخوض في هذه الامورالصغيرة المؤلمة , بقدر اريد التطرق الى حوار اجريته مع أحد الاخوة الأعزاء حول ما يسميه ب " المال المسيس " .. والذي يقول ان يسرق " القرار الوطني " ويجعل من المجلس الانتقالي " رهينة " لدى الداعمين له ! هذه وجهة نظر نحترمها .. وهي تملك ما يمكن ان ينأ بها بعيدا عن استخدام كلمة " البزبوز " .. ولي هنا أن اتطرق الى وجهة النظر هذه بأخرى مختلفة تماما تعتمد على ما يمكن أن نسميه بالواقعية السياسية التي لا تعني ابدا الانفصال عن الثوابت الوطنية تحت طائلتها أو رهن القرار السيادي كما يقول وحاشا لله على أي وطني حر أن يرهن سيادة وطن من أجل المال.
قلت لزميلي العزيز .. أن العالم اليوم متشابك المصالح ومتداخل ويتأثر بعضه ببعض , ولا يمكن لأحد أن يعيش بمعزل عن " التجاذبات " الاقليمية والدولية أو أن يكون بعيدا عنها خاصة في وضعية كوضعيتنا نحن في الجنوب التي لا نملك فيها " دولة " ولا زلنا نعيش حالة حرب جاءت تحت مبرر عريض لا ينسجم في شكله مع هدفنا الوطني في التحرير والاستقلال الا وهو " عودة الشرعية " .. وخاصة حينما نشاهد امامنا دول مستقلة ذات سيادة لا تستطيع ان تكون بمعزل عن طائلة التجاذبات السياسية الدولية , لكن من الواجب علينا ان نستفيد من وضعية كهذه للحصول على اكبر مكاسب ممكنة لنا .
قلت لزميلي .. أن الكثير من المنظمات والاحزاب والحركات الوطنية في تاريخ البشرية كانت ولازالت تتلقى دعما ومساعدات من دولة او اكثر , وان منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وحزب الله وجماعة الاخوان المسلمين والحوثيين وغيرهم من الحركات السياسية تتلقى دعما ماليا من هنا وهناك لتحقيق اغراض مشتركة مابين الداعم والمدعوم , وأن هنالك دولة ذات سيادة ايضا يقوم اقتصادها على " المساعدات " .. ونحن هنا لا نبرر هذه الحالة , ونعتقد بأهمية " الاستقلالية المالية " ..ولكننا لم نستطع كحركة وطنية ان ننشئ " قناة فضائية " بدعم وطني صرف , كما أن الواقع لا يقول ان تلقي الدعم والمساعدة هو خيانة عظمى مالم يكون على حساب وطنك واهدافك الاستراتيجية , ففي هذه الحالة لا يمكن لأحد ان يقر بأمر كهذا .
زميلي يقول .. لا احد يطمع في فلسطين ان قدم دعما لمنظمة التحرير الفلسطينية , وهذا صحيح , لكن عليه – اي زميلي – ان يعي ان الدول ليست " جمعيات خيرية " تقدم مساعداتها لله في الله .. وانما هي تفعل ذلك لمصالحها ايضا والمصالح ليس بالضرورة ان تكون اطماع في تراب وطن بقدر ما تكون لها اشكال وصور مختلفة , والا لما كان الداعم لحماس يمتنع عن دعم حركة فتح مثلا والعكس صحيح , على الرغم من انهما من فلسطين وتناضلان لذات الهدف !
وتقدم لنا الحالة اللبنانية نموذجا ايضا في تأثر اقطابه بالتجاذبات السياسية الاقيليمية والدولية , وهنا قد يقول قائل ان الحالة اللبنانية ليست مثالية حتى نقتدي بها , وأنا هنا لا اتحدث عن " الاقتداء " بقدر ما اذكر واقع سياسي , ينسحب بهذه الدرجة على لبنان كما ينحسب ايضا حتى على " بريطانيا العظمي " بنسبة مختلفة , والتي تجعل البعض يصفها في حالات معنية ب " ذيل امريكا " ..!
الولايات المتحدة الاميريكية رائدة العالم ذاتها تخضع في سياساتها في الشرق الوسط الى تأثير منظمة " ايباك اليهودية " ورؤساء البيت الأبيض فيها يخضعون في قراراتهم لحجم الضغوط التي تمارس عليهم من جماعات الضغط .. ومن جانب آخر هناك من ينتقد هذه الدولة العربية أو تلك بأنها لا تملك القرار السيادي وانها تخضع في بعض القضايا والمواقف لما يمسى ب " الاملاءات الخارجية " ..! هذه الحالة بشكل عام تعكس تشابك المصالح وحجم التأثير المتبادل ما بين القوى بحسب الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية .
ولماذا نذهب بعيدا .. ودولتنا في الجنوب المستقلة ما بعد 1967 م كانت تدور في " الفلك الروسي "في العام الواحد 365 دورة ! وكان الخبراء الروس يملؤن عدن ومناطق الجنوب , وكانت " المساعدات الروسية " تقدم للجنوب الدولة في مختلف المجالات ! فهل يمكن لأحد ان يخبرني ان ذلك التواجد الروسي كان خالصا لوجه لمساعدات الانسانية ؟!! أم انه من اجل مصالح مشتركة .
منذ ان انطلقت مسيرة الحراك الجنوبي ونحن كنا جميعا نبحث عن دعم مالي وسياسي من اي طرف دولي يتوافق مع رؤيتنا الوطنية ولم نجد ! .. واليوم أتت عاصفة الحزم ودول التحالف العربي لتقدم لنا مساعدات عسكرية انتجت خروج قوات الاحتلال من ارضنا , ليس لأنهم – اي التحالف – يرونها كما نراها قوات احتلال , وانما لأن " مصالحهم " كانت متطابقة مع مصالحنا ايضا في اخراجها من ارضنا , ولا يوجد في هذا الأمر ما يعيب , لأنه من الطبيعي ان تستثمر كحركة وطنية ما تسمح به القواسم المشتركة للمصالح بشكل صحيح , وستكون الحالة مثلى بطبيعة الحال ان تطابقت المصالح ما بيننا في الجنوب مع دول التحالف بنسبة 100 % .. ولكن حتى تصل الى هذه النسبة فهذه المسألة تعتمد على ادائنا السياسي كحركة وطنية جنوبية ولا تعمد على التحالف العربي الذي لا يمكن أن يأتي ليقدم لنا ما يفترض ان نقوم به ا نقدمه نحن لأنفسنا ولوطنا .