عن التصالح والتسامح
د. عيدروس النقيب
تحل علينا هذا الشهر الذكرى العاشرة للتصالح والتسامح الجنوبي؛ وهي مناسبة لمراجعة هذا المفهوم وماذا حقق وما ينبغي ان يحقق؟
لن أتحدث عن المعاني العظيمة والمضامين النبيلة لهذا المفهوم فقد كتبت فيه أكثر من مقالة وقدمت فيه أكثر من مداخلة وتحدثت فيه في أكثر من ندوة (سأتحدث عن هذه القضية يوم السبت القادم في الندوة التي تقيمها تنسيقية المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة شيفيلد البريطانية)، لكنني سأتحدث هنا عن بعدٍ مهم وهو: من هم المعنيون بالتصالح والتسامح؟
هناك رؤى مختلفة لمفهوم التصالح والتسامح، فبعض الجنوببين يرى أن أي انتقاد لفاسد جنوبي يخدش مبدأ التصالح والتسامح! ويرى البعض الآخر أن التصالح والتسامح لا يعني سوى عفو الضحايا عن الجناة حتى وإن استمر الجناة في ممارسة جناياتهم، بينما يرى البعض الثالث ان التصالح والتسامح لا يعني سوى إغلاق ملفات الماضي بمآسيها وفتح أبواب التعايش والقبول بالآخر في إطار المبادرة والابتكار لخدمة قضايا الوطن والمستقبل بما لا يمنع من أخذ العبرة من الماضي بتجنب تكرار ما فيه من أخطاء وخطايا.
في نظري إن التصالح والتسامح لا يعنيان شيئا ما لم يكونا متجهين نحو المستقبل، وهو ما يعني المستقبل الضامن للتعايش والتنافس في بناء مستقبل مختلف عن علاقات الماضي، مستقبل تتظافر فيه الجهود وتتآزر فيه القوى لبناء الحلم الجنوبي الأجمل وليس التنازع على المصالح الضيقة التي بسببها شهد ماضينا تلك الأحداث المراد طي ملفاتها .
لكن هذا التسامح لا يعني إطلاق أيدي اللصوص والقتلة والمجرمين والفاسدين الجنوبيين (ناهيك عن غير الجنوبيين) ليعبثوا كما يشاؤون ويواصلوا قتلهم للمواطنين المعارضين ويحرضوا المواطنين الجنوبيين ضد بعضهم البعض ويستمروا في غيهم ونهبهم للثروات وسوء استخدامهم للسلطة وازدراءهم للوطن والمواطنين.
إن القتلة والمجرمين واللصوص والفاسدين لا فرق بينهم إن كانوا جنوبيين أو شماليين؛ أو حتى من السماء ولو ادعوا انهم انبياءٌ أو ملائكة.
التصالح والتسامح يخصان المتسامحين (كلهم) الذين راجعوا مواقفهم وصححوا مسالكهم واعترفوا بالخطأ المشترك الذي وقعوا فيه، وتقاسموا زلاته ويرفضون العودة إليه؛ ويقبلون تصحيح أخطاءهم لما يخدم المشروع الوطني الجنوبي الكبير، أما أولائك الذين يصرون على نهج ٧/٧ وما يزالون مصممين على مواصلة النهج العدائي تجاه الجنوب والجنوبيين فهم في مكانهم، خصوم للجنوب والجنوبيين لا فرق بينهم وبين عفاش والعفاشيين والحوثي والحوثيين
وأخيرا التصالح والتسامح ليسا موجهين ضد أحد ولا مستهدفين أحد، والذين تقشعر أبدانهم عند سماعهم هاتين المفردتين إنما يعبرون عن تخندقهم عند نقطة تاريخية (مؤسفة) لا يرغبون في مغادرتها، وبالتالي فمجرد السخرية من ثقافة التصالح والتسامح إنما توحي بأن هؤلاء لا يرغبون أن يسامحهم الشعب الجنوبي على خطاياهم التي لا يستطيعون إنكارها وهم بهذا يستثنون أنفسهم من هذه العملية التاريخية التي تشق طريقها بقوة من الساحات والميادين إلى العقول والقلوب والبنية الثقافية والفكرية لكل الشعب الجنوبي وهي بالتأكيد عملية تراكمية لا تنشأ بمرسوم إداري أو قرار تنفيذي بل بمعركة تربوية طويلة المدى مع العقليات المتخلفة المتحجرة الواقفة عند معارك الماضي المؤلم.