همس اليراع
ما هي الوحدة التي يحتفلون بها ؟
د. عيدروس النقيب
تحاشيت الكتابة عن 22 مايو هذا العام لا لأن ليس لدي ما أقوله، لكنني شاهدت الفضاء الإلكتروني يكتظ بسيل من الغثاء والهراء والأراجيف اصر أصحابها على استرجاع تقيؤهم لخطاب يوم 7/7 والتباهي بامتداح العتاه وتمجيد الغزاة والتلذذ بلعن الضحية وإدانة المهزوم، رغم كل ما قد طرأ من انقلاب على كل تلك المفاهيم حتى لم يعد هناك منتصراً إلا وقد غدا مهزوماً مدحوراً مذموما.
مسؤول كبير ويحمل شهادة دكتوراه كتب (في الذكرى الثلاثون) وراح يواصل رفع المجرور في إشارة إلى أن كل ما تم جره من قبل هؤلاء قد رفعوه إلى أماكن لا يصل إليها أحد سواهم واختتم بكائيته بالتأكيد على إنه لم يعد أمام اليمنيين إلا "اليمن الاتحادي" الذي أعلن هو وحزبه رفضه بمجرد إعلان الرئيس عته.
وآخرون سردوا سيلاً من الحملات الدعائية لمشروع "اليمن الاتحادي" الذي رفضوه في 2013م وآخرون راحوا يتحدثون عن مؤامرة الأعداء (الذين يستضيفونهم اليوم) ضد "الوحدة اليمنية"، وكأن كل هؤلاء يتحدثون عن كائن خرافي كلي القدرة غامض الملامح أو مخلوق قدسي نزل من السماء إلى بين أيديهم وحدهم غير معروف وغير مرئي إلا لهم وحدهم ولا يراه أحدٌ سواهم.
سأتوقف هنا بإيجاز عند ثنائية الحلم والواقع، فيما يخص محاولة توحيد البلدين في كيانٍ واحد وأسباب الفشل الذريع الذي منيت به تلك المحاولة، فحلم الوحدة اقترن بظروف تاريخية محلية وإقليمية وعربية ودولية وحتى بمشاعر وعواطف حماسية جياشة تتلهف للوحدة مهما كان شكلها، ظروف مختلفة عن تلك التي جرت فيها المحاولة، ولأن ليس كل حلم يتحول إلى واقع فقد تبدد الحلم وبقي الواقع بعناده وقوته وصلابته وحلوه ومره ليقول: إن الشعبين في اليمن لن يكونا إلا جارين بدولتين شقيقتين متعايشتين مثل سائر الدول المتجاورة، أما المعارك والحروب والمواجهات المسلحة والحملات الإعلامية فليست سوى مواجهة بين من سرقوا الحلم وحولوه إلى كابوس ثم يصرون على إجبار الآخرين على البقاء معهم في سفينته الخاربة الموشكة على الغرق بعد أن حشوها بأوهامهم وسمومهم وأوبئتهم النفسية والثقافية، وبين الواقع الصادم الصلد غير القابل للتعسف والإكراه.
ونأتي للسؤال المزعج للبعض: لماذا فشلت محاولة الوحدة؟ ولماذا فشلت فكرة "اليمن الاتحادي"؟
الإجابة تطول وتتسع لكن ملخصها إن محاولة توحيد اليمن فشلت لأن الطرفين الذين دخلا فيها قد دخلا بأجندتين مخلتفتين: طرفٌ ذهب إلى الوحدة بمشروع إخراج البلد من دولة الراعي والرعية إلى دولة المواطنة، ومن دولة التسول والجباية والفساد إلى دولة التنمية والعدالة الاجتماعية، بينما دخل الطرف الآخر بمشروع يقوم على التوسع وضم المزيد من الموارد إلى ما تحت يدي أساطينه باستخدام الخديعة والغدر والانقلاب، وقد انتصر مشروع الغدر والخديعة وفشل حلم الوحدة الذي كان جميلا ذات يوم من الأيام الجميلة.
الذين يحتفلون بــ 22 مايو لا يحتفلون بشيء جميل يخص الشعب لا في الجنوب ولا حتى في الشمال بل إنهم يحتفلون بانقضاضهم على الضحية وافتراسها والانفراد بها وتحويلها إلى غنيمة حرب، والأمر المثير للدهشة والاستغراب إنهم يحتفلون بوحدة لا وجود لها على الأرض، ويتباهون بيمن لا يجدون مكانا للإقامة فيه ويتحدثون عن مشروع اتحادي تسبب في حرب وانقلاب وتمزيق لما كان تحت أيديهم، وهم أول من كان يرفضه.