هل من صيغة جديدة لاحتواء إيران؟
فاروق يوسف*
ورطت الولايات المتحدة إيران حين سمحت لها في التمادي في مشروعها التوسعي في المنطقة ثم تخلت عنها. تلك حكاية تشبه المزحة الثقيلة والكابوس المزعج. لو أن الخميني كان حيا لوصل غضبه إلى عنان السماء.
كان زعيم الثورة الإيرانية مستاء لأن الحرب ضد العراق أخرت مشروع تصدير الثورة الإيرانية سنوات وها هو ترامب يدير عجلة الزمن فيعيد ذلك المشروع إلى الوراء بحيث صارت إيران مستعدة للتخلي عن مشروعها من أجل الحفاظ على استقرار نظامها السياسي.
إيران اليوم في وضع يُرثى له. مَن يصدق ذلك؟
لن تتمكن إيران من إدارة إقطاعياتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان. تركت لتلك الإقطاعيات مسؤولية أن تدير وضعها ذاتيا. وهو ما يمكن اعتباره أمرا مستحيلا في ظل العقوبات الأميركية وانخفاض أسعار النفط. كان العراق هو الخزانة المضمونة التي تمول الجزء الأكبر من النشاط الإيراني. اليوم لم يعد كذلك.
لا تملك إيران اليوم القدرة على تفكيك ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن. ذلك واقع هو فوق طاقتها. لذلك صار مطلوبا من تلك الميليشيات أن تفكك نفسها بنفسها وتنسحب من ساحة المواجهة فهي لا تملك ما يؤهلها على الاستمرار في مواجهة، لا يزال الطرف الثاني يستنزفها فيها من غير أن يظهر على السطح. إنها تتعرض لحرب تديرها أشباح مجهولة.
كلما ضُرب معسكر أو قاعدة للميليشيات التابعة لإيران قيل إن منفذ تلك الضربات مجهول. حتى أن ذلك العدو المجهول ضرب مصنعا نوويا وسط طهران فقيل إن انفجارا وقع قريبا من ذلك المصنع في محاولة لإنكار قدرة ذلك العدو على الوصول إلى مناطق حساسة داخل إيران.
لسنا في حاجة إلى اعتراف إيراني لنعرف أن المعادلة لم تعد لصالح إيران التي لم تعد أذرعها وبالأخص حزب الله اللبناني قادرة على التهديد بإشعال المنطقة. صارت إيران في حاجة إلى خيار غير الحرب يتم إنقاذها من خلاله.
تواجه إيران اليوم تبعات مجموعة الجرائم التي ارتكبتها في وقت قياسي. في مقدمة تلك الجرائم تقف جريمتان لن يتردد المجتمع الدولي في النظر إليهما باعتبارهما كارثتين إنسانيتين. الأولى هي قصف المنشآت النفطية السعودية وما ترتب عنه من فوضى في أسواق النفط، والثانية هي إسقاط الطائرة الأوكرانية وما نتج عنه من ضحايا بشرية.
إيران إذا في انتظار أن توضع على طاولة التشريح في مجلس الأمن.
وإذا ما أخذنا في نظر الاعتبار تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأميركية يمكننا القول إنها صارت في طريقها إلى أن تطلب مساعدة من المجتمع الدولي للخروج من أزمتها.
ليست الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة في وقت سابق من أجل استئناف الحوار مع إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات كافية. سيترتب على إيران أن تقوم بدفع تعويضات هي عبارة عن مبالغ باهظة مقابل ما أحدثته من خسائر بشرية ومادية.
وليس في الإمكان الإفلات من ذلك العقاب الذي سيكون البديل عنه إنزال أشد العقوبات الدولية بها. فالأمر لن يكون محصورا بالولايات المتحدة يومها. لن يقف مع إيران أحد.
كل المؤشرات تؤكد أن إيران قد بدأت في إطلاق إشارات هي أشبه بالتلميح من غير أن تجرؤ على القول الصريح. تلك إشارات يمكنها أن تكون دليلا لما ترغب إيران في الانتقال إليه على مستوى علاقتها بالعالم الخارجي.
صحيح أن إيران انتهت إلى حالة من اليأس ستكون معها مجبرة على الانسحاب من المناطق التي وضعتها تحت هيمنتها وهو ما تعرضه على المجتمع الدولي باعتباره تعبيرا عن حسن النوايا غير أن الحل يظل مرتبطا بمستوى رغبة المجتمع الدولي في عودة إيران إليه.