عبد الرحمن الراشد والقراءة بعين واحدة

د. عيدروس النقيب

نشر الكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية المعروفة مقالا عجيبا تحت عنوان "من وراء مسلحي عدن؟" تناول فيه الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة عدن خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر يناير من العام الحالي ولكن تناوله جاء مبنيا على مجموعة من الأحكام المنحازة لغير الحق الخالية من الحيادية بل والمفتقرة للمعلومات الدقيقة والمعرفة المتكاملة لطبيعة المشكلة التي هو ونحن والعالم بصددها.
ينطلق الراشد في حديثه عن أحداث عدن من معطيات إما إنه يجهل حقيقتها وإما أنه تعمد أن يلوي عنقها ليسوقها على النحو الذي يخدم الاستخلاصات التي خطط مسبقا للوصول إليها فيقول " مع بوادر هزيمة المتمردين الحوثيين في العاصمة اليمنية، صنعاء، اندلعت المعارك في العاصمة المؤقتة عدن. وافتعال المعارك في الجنوب ليس مصادفة بل يعبر عن قلق الذين كانوا يراهنون على دوام الحرب في الشمال وفشل مشروع الشرعية، الذي يظنون أنه يحقق لهم نجاحاً مجانياً بإقامة دولة خاصة بهم في جنوب اليمن".
ثم يواصل "تزايدت هزائم المتمردين في الشمال، أي الجماعة الحوثية، منذ انشقاق شريكهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وساءت أكثر بعد قتلهم له، حيث انقلب معظم أتباع صالح ضدهم".
لنناقش مع السيد الراشد ثلاث قضايا وهي: من الذي يراهن على دوام الحرب؟ ثم هل فعلا تزايدت هزائم المتمردين الحوثيين في الشمال؟ وهل فعلا كان انشقاق المخلوع صالح سببا في تزايد هزائم الحوثيين؟
من الذي يراهن على دوام الحرب؟
عبد الرحمن الراشد كاتب وصحفي مقرب كثيرا من السلطات السعودية الشقيقة وإذا ما عرفنا أن آراءه وكتاباته كثيرا ما تكون أساسا لبناء الكثير من القرارات المصيرية للسلطات السعودية الشقيقة فإنه يمكننا معرفة لماذا لم يأت التدخل السعودي في اليمن "وهو تدخل محمود ومطلوب" لم يأت أكله.
عبد الرحمن الراشد يبني معلوماته على ما تنشره قناتا العربية والحدث عن الانتصارات الزائفة التي يحققه المسترخون في مدينة مأرب والنائمون في فنادق الرياض، ولتوضيح الصورة نقول: الجنوبيون لا يرغبون في إطالة مدى الحرب وفشل مشروع الشرعية لأنهم لو كانوا كذلك لما واجهوا المشروع الانقلابي في كل محافظات الجنوب وهزموه في ثلاثة أشهر وحسموا المعركة ثم استدعوا الرئيس عبدربه منصور هادي وسلموه عدن محررة من الانقلاب والانقلابيين، ليأتي بآخر من التحقوا به من أنصار صالح ليسلمهم هذه المدينة وكل المناطق المحررة التي عاثوا فيها فسادا وأذاقوا أهلها ومناضليها وجرحى تحريرها سوء العذاب.
الذين يراهنون على دوام الحرب هم أولائك الذين يستلمون المليارات من الريالات السعودية من مخصصات الحرب على الحوثيين ليودعوها في حساباتهم البنكية في بنوك أوروبا وأسيا والذين بفضل إطالة أمد هذه الحرب أصبحوا ملتي مليارديرات بعد أن خرجوا من صنعا متخفيين لا يحملون إلى ملابسهم ليلاقوا من المملكة الشقيقة كرما فائضا في الضيافة ومعاملة لا تليق إلا بهذا البلد الذي غدا ملجأ لكل ذي حاجة، لكنهم أساءوا التعامل مع هذ الكرم وتلك الضيافة الحسنة، ومن هنا إنني أدعوك مخلصا إلى نصح السلطات الشقيقة في المملكة الكريمة إلى فحص حسابات هؤلاء البنكية لتكتشف أن ما تصرفه من مخصصات لم تذهب للأغراض التي صرفت من أجلها بل ذهبت إلى أماكن أخرى لا علاقة لها بمواجهة المشروع الانقلابي.
هل فعلا تزايدت هزائم الانقلابيين الحوثيين؟
الحقيقة أن هذا ما يقوله إعلام الشرعية وقناتا العربية والحدث التي لا يمر يوم إلا وتتحدث عن دحر الحوثيين واحتلال الموقع الفلاني والتبة العلانية، وفي حقيقة الأمر أن الحوثيين من المفروض أن يكونوا قد هزموا في العام 2015م بعيد انطلاق عاصفة الحزم، لأن المعادلة تقول التالي: لدي الشرعية جيشا ومقاومة تشمل أكثر من نصف مليون مقاتل وشعب تعداده أكثر من عشرين مليون هو من انتخب الرئيس عبد ربه منصور هادي في العام 2012م (باعتبار الجنوبييين كانوا مقاطعين لتلك الانتخابات لأسباب لا تتعلق بشخص الرئيس هادي بل بالقضية الجنوبية التي ليس هذا مجال الحديث عنها) ولدى الشرعية الدعم السخي الذي تقدمه الدولتان الشقيقتان: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والذي يشمل كل شيء من التسليح والتدريب والتأهيل إلى تحمل النفقات المالية للمعركة إلى المساهمة البرية والبحرية والجوية في مواجهة الانقلاب والانقلابيين، بينما لدى الحوثيين مئات الآلاف من المقاتلين الأقل تدريبا والأقل تنظيما وتأهيلا وأقل من مئات الألاف من السكان الداعمين لهم ويفتقرون إلى أهم سلاح في الحروب الحديثة ـ الطيران ـ ومع ذلك فلو هزموا نصف هزيمة لاعتبر هذا نصرا كاسحا لهم أما وهم يقعون علي بعد كيلومترات من مرمى مدفعية الجيش الوطني فإن أكثر من سؤال يطرح نفسه عن هذه المعادلة المختلة، وهنا يهمنا أن نقول للسيد الراشد ومن يعتمدون على تحليلاته ومقالاته : أن الحوثيين لم يثبتوا في موقعهم لا بفضل تفوقهم العددي ولا التسليحي ولا المهاراتي ولا الإخلاقي ولكن بفضل فشل الذين يدعون أنهم في معسكر الشرعية وهم لا يهمهم سوى استثمار الدعم السخي والكريم المقدجم من المملكة الشقيقة لتكديس مزيداً من الثروات وتمرير أجندات حزبية وايديولوجية لا أخال الأخ الراشد والأشقاء في المملكة يجهلونها.
أما مقولة أن انسلاخ علي عبد الله صالح عن الحوثيين سيضعفهم ويحسم المعركة لصالح الشرعية فهو قول لا يقوم على معرفة حقيقة بطبيعة العلاقات داخل اليمن، لأن المراهنين على تحقيق انتصار بأنصار صالح المهزومين هم كالمراهن على الفرس الأعرج الذي سقط خلال السباق وأضاع جزءً من الوقت في محاولة النهوض ليستأنف السباق بعد أن صار المتسابق الأول على بعد أمتار من نهاية المضمار، ببساطة لأنه لو كان بمقدور هؤلاء تحقيق ثُمُن أو عُشُر نصر أو حتى واحد بالمائة من النصر لكانوا حققوه قبل قتل زعيمهم الذي اتصف بالدهاء والمكر والقدرة على ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل تحقيق مأربه ومع ذلك لم يستطع هؤلاء حمايته دعك من حكاية إلحاق الهزيمة بخصومه (حلفائه السابقين).
ألم أقل لكم أن السيد الراشد يقرأ الأحداث بعين واحدة، وهو ما يجعلني أتمنى عليه أن يعيد النظر في طريقة تحليله للأحداث بعيدا عن خدمة (الديليفري) التي تتبعها يعض المطاعم وخدمات الـ(تك اواي).
وللحديث بقية


مقالات الكاتب