معادلة بناء السلام على الحوثي والشرعية لم تعد حاضرة في اليمن
سارت جميع خطوات المجتمع الدولي التي هدفت للوصول إلى سلام شامل ونهائي في اليمن على طريق التواصل مع المليشيات الحوثية والحكومة الشرعية باعتبارهما طرفي الصراع الوحيد في اليمن، غير أن تلك المعادلة لم تعد حاضرة في الوقت الحالي في ظل دخول أطراف فاعلة على الخط يأتي في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما أكد عليه تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر مؤخرًا.
بحسب التقرير الذي قدم شرحًا تفصيليًا لطبيعة الصراع الدائر والتغيرات التي طرأت على الأزمة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فإنه لفت النظر إلى خريطة نفوذ القوى السياسية والعسكرية على الأرض وقسمها إلى المرتفعات الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون؛ والمناطق التي تديرها الحكومة في مأرب، والجوف، وشمال حضرموت، ومدينة تعز؛ ومحافظات الجنوب الخاضعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والتي تشمل العاصمة عدن وما يحيط بها من مناطق داخلية؛ إضافة إلى المناطق الواقعة على ساحل البحر الأحمر حيث تشكل قوات المقاومة المشتركة القوة الرئيسية لها.
يحلل هذا التقرير الوقائع السياسية والعسكرية الجديدة في اليمن والجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب، وطالب الأمم المتحدة بتغيير مقاربتها بإشراك طيف أوسع من اللاعبين في المفاوضات والسعي إلى التوصل لاتفاق أكثر محدودية لإنهاء الحرب يركز على ضمان التوصل إلى وقف لإطلاق النار واستئناف تقديم الخدمات.
وأكد التقرير على أن الأمم المتحدة سيكون عليها توسيع المحادثات لضمان مشاركة كتل سياسية وعسكرية قوية على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي باعتبار أنه من المستحيل الوصول إلى حل سياسي من دون إشراكه في محادثات السلام، إلى جانب ضرورة مشاركة المجموعات القبلية، والسلطات المحلية وجملة من الأطراف السياسية، ومجموعات النساء والشباب وغيرها من أطراف المجتمع المدني الذين سيكون دعمهم بالغ الأهمية لاستدامة أي اتفاق.
وأوضح التقرير أنه سيتوجب على مكونات أي اتفاق أن تعالج الوقائع الجديدة وأن تقر بأخطاء الماضي، مع أهمية ضرورة معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي أشعلت الانتفاضة الشعبية في اليمن في عام2011 وأسهمت في صعود الحوثيين، وأن إهمال تلك العوامل سيؤدي إلى عدم الاستقرار والحرب في المستقبل.
ركز التقرير على جملة من الأزمات الداخلية التي تعانيها كلًا من المليشيات الحوثية وكذلك الشرعية وبدأ بالعناصر المدعومة من إيران مشيرًا إلى أن الحوثي يعاني من تعدد التيارات داخله وأن هناك خلافات عميقة بين مجموعة من الشخصيات السياسية التي تسعى إلى حل تفاوضي، وبين مجموعة أخرى من القادة العسكريين والسياسيين الذين يفضلون تحقيق انتصار واضح في الميدان وأن هؤلاء يتجاهلون احتمال حدوث صراع داخلي وشيك، ويدعون بأن هذه الخلافات حاضرة فقط في أذهان الرياض وفي الدوائر المعادية للحوثيين.
وأشار التقرير أيضًا إلى الخلافات العميقة في جسد الشرعية، موضحًا أن الحلقة الداخلية للرئيس، بما فيها العديد من الوزراء، مهتمون بالمحافظة على سلطة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، من دون أن يبحثوا عن سبل حقيقية لحلحلة الأزمة الحالية، أما بالنسبة للإدارة اليومية للوزارات وتنفيذ السياسات، فيعتمد على الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين على كادر صغير من الجهاز التكنوقراطي من حقبة ما قبل الحرب والموظفين الاحترافيين في الخدمة المدنية للمحافظة على بضع مؤسسات الدولة.
وبحسب التقرير فإنه "يمكن القول إن أحد أكثر حلفاء هادي أهمية، وبالتأكيد أكثرها إشكالية هو حزب الإصلاح، حيث يبرهن على نفوذ طاغي للإسلاميين على قرارات هادي وتحديدًا منذ أن عين علي محسن الأحمر نائبًا له، وبالرغم من أنه ينكر ولائه للحزب غير أن ذلك لا يمنع من أنه لديه نفوذ قوي داخل الإصلاح"، بحسب التقرير فإن مشكلة الإصلاح أنه يقدم نفسه كحزب سياسي يفتقر إلى مكون عسكري، هو أمر ليس دقيقًا.
وأوضح التقرير أن السلطات المحلية وكبار القادة السياسيين والقائمين على عملية صنع القرار في مأرب يرفضون الاتهامات التي تؤكد على أن مناطقهم خاضعة لحزب الإصلاح، في حين أن آخرون يشددون على أن حزب الإصلاح وحلفاؤه المحليون يشكلون القوة المهيمنة المرتبطة على العديد من الأرضي في الشمال، وأن قيادة الحزب تمارس نفوذًا على هادي، وأن قيادات حزب المؤتمر الشعبي يؤكدون على أن الإصلاح يستخدم الصراع وضعف هادي لاغتصاب المؤسسات المدنية والعسكرية المحلية المتناثرة بين جيوب سيطرة الحكومة داخل اليمن ومكاتب الوزارات.
وفقًا لهذه المعطيات فإن التقرير أكد على أن الوضع الآن قد خرج عن السيطرة، ففي السابق كان من الممكن وفق المنظمة الدولية، أن يتم التوصّل لتسوية سياسية بين حكومة الشرعية والحوثيين، على نحوٍ ينهي الحرب وفقًا لانتقال سياسي، لكنّ المنظمة الدولية تقول إنّ التحولات التي حدثت على التوازن العسكري، والتشظي السياسي والمناطقي، والتدخل الإقليمي ثقيل الوطأة غيّر متطلبات صنع السلام.
وبين الاعتماد فقط على الحوثي والشرعية يعني أن هناك مخاطرة جديدة بتفويت الفرصة لإنهاء الحرب، حتى مع انتشار كوفيد-19 بسرعة في أوساط أكثر سكان العالم هشاشة، وأنه سيكون من قبيل انعدام الضمير بالنسبة لأطراف الصراع والقوى الخارجية التي تساعد المجهود الحربي أن تبدد فرصة أخرى لتحقيق السلام. رغم ذلك، وحتى الآن، يبدو أن جميع الأطراف يعتقدون أن الوقت غير مناسب للتوصل إلى صفقة.