سقوط مدوي للجنيه السوداني أمام الدولار
شهد الجنيه السوداني، سقوطاً مدوياً في مواجهة الدولار الأميركي، بعد أن أصابته حمى جراء التداعيات السلبية لجائحة كورونا تارة، والفيضانات المدمرة تارة أخرى، وبينهما حالة من عدم الاستقرار السياسي، تصلبت مع العوامل الثلاثة مجتمعة شرايين الاقتصاد السوداني.
و قفز سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الجنيه السوداني، مساء الأربعاء الماضي 9 سبتمبر (أيلول) الحالي، مسجلاً رقماً قياسياً تاريخياً غير مسبوق في تعاملات السوق الموازية غير الرسمية (السوداء)، بزيادة 30 جنيهاً (نحو 0.54 دولار أميركي) في يوم واحد.
وفي ذات السياق قالت وكالة الأنباء السودانية، إن الدولار بقي مثبتاً على شاشة بنك السودان المركزي، عند 55 جنيهاً (نحو 0.99 دولار أميركي) للشراء و55.27 جنيه (نحو واحد دولار أميركي) للبيع. أما في السوق السوداء، فقفز الدولار مسجلاً 250 جنيهاً (نحو 4.52 دولار أميركي)، مقابل 220 جنيهاً (نحو 3.98 دولار أميركي) اليوم السابق، بزيادة 30 جنيهاً (نحو 0.54 دولار أميركي) في نحو 24 ساعة، بحسب الوكالة أيضاً.
وأوضحت الوكالة أن أسواق الصرف الموازية تشهد حالة من الفوضى، وسط تزايد الطلب على الدولار من ناحية، وشح كبير في المعروض من ناحية أخرى. وأشار متعاملون في السوق، إلى أن كبار تجار العملة يرفضون تزويد السوق بأي دولار، ويمتنعون عن التداول انتظاراً لقفزة أكبر في سعر العملة الخضراء. وتابعت أن، هناك مضاربات كبيرة تجري في أسواق العملات، وسط قيام جهات مجهولة بشراء كميات كبيرة من الدولار ثم التحفظ عليه وعدم طرحه للتداول، وقال متعاملون إنه لا سقف يتوقع حالياً لمدى صعود الدولار، وإن كل الاحتمالات مفتوحة لمزيد من الصعود القياسي.
التضخم يسجل 136 في المئة
في يونيو (حزيران) الماضي أعلنت وزارة المالية السودانية ارتفاع معدلات التضخم السنوي بنحو مئة في المئة، عندما سجل 136 في المئة، مما سبب عجزاً في إمدادات الكهرباء والخبز والوقود والأدوية، في حين سجل حجم الدين العام في السودان ما يزيد على 60 مليار دولار.
من جهته قال، طه حسين متخصص في شؤون الاقتصاد السوداني، إن "العملة المحلية السودانية في موقف صعب وحرج". وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن حجم المعروض من النقود في جسد الاقتصاد السوداني غير مسبوق.
توسع في الطباعة بشكل غير مدروس
في هذا السياق أوضح حسين، أن هذا نتيجة توسع البنك المركزي السوداني في طباعة النقود، بشكل غير مدروس اقتصادياً، علاوة على عدم توفر غطاء الذهب اللازم لطبع هذا الكم الهائل من السيولة في السوق، مما أضعف الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق في مقابل الدولار الأميركي.
وفي ذات الصدد قال، إن حجم الزيادة في قيمة المعروض من النقود في الاقتصاد السوداني بلغ 149 مليار جنيه (نحو 2.7 مليار دولار أميركي) ضُخت في الـ6 أشهر الأولى من العام الحالي، وهذا رقم ضخم مقارنة بالموجود في موازنة العام المالي الحالي 2020 عندما توقعت الدولة الاستدانة من البنك المركزي السوداني نحو 60 مليار جنيه (نحو 1.08 مليار دولار أميركي)، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف القيمة المطلوب ضخها في الاقتصاد السوداني لعام كامل.
وتابع أن التوسع في طباعة النقود بهذا الشكل أثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد السوداني، خصوصاً أن حجم السيولة أو حجم الكاش لدى المواطنين خارج الجهاز المصرفي السوداني يمثل 75 في المئة، وهنا مكمن الخطورة . لافتاً إلى أن حجم النقود الزائدة لدى الجمهور خارج الجهاز المصرفي في الفترة من يناير وحتى 30 يونيو (حزيران) الماضي بلغت 63 مليار جنيه سوداني (نحو 1.1 مليار دولار أميركي) وهذا ما أثر كثيراً في الاقتصاد الموازي، خصوصاً أن الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي يمثل أكثر من 90 في المئة من حجم الاقتصاد السوداني.
ارتفاع سعر الذهب بقيمة 14 ألف جنيه (253 دولاراً) للغرام
وأرجع ذلك إلى أن حركة النقود خارج الجهاز المصرفي بلغت نحو 20 مليار دولار، وهذا ما أسهم في تنشيط تجارة العملة وأسواق الذهب.
وأشار إلى أن حركة الذهب التقليدي الذي يباع في مركز الخرطوم للذهب وهو ما يطلق عليه (عمارة الذهب) ارتفع حجم غرام الذهب بقيمة 14 ألف جنيه (253 دولاراً أميركياً) في الغرام الواحد، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 120 في المئة خلال الـ6 أشهر الأولى من العام الحالي فقط.
السوق أصبح "مدولراً"
في هذا الشأن يوضح، أن هذا مؤشر على حركة النقود، وهذا ما أثر على السوق بشكل عام حين أصبح السوق تحت رحمة الدولار (مدولراً) يعتمد على الدولار، وهذا ينطبق على السلع الأساسية والسلع الكمالية، وهو ما أثر سلباً على الأسواق والمواطن والصناعة، مما أجبر عدداً كبيراً من المصانع على وقف التصنيع والبيع.
وحول ارتفاع الأسعار متأثرة بالتضخم، توقع تضاعف الأسعار بنحو 200 في المئة مع خفض القيمة الرسمية للجنيه مقابل الدولار، مما سيرفع تكاليف كل الواردات بما تضمه من مدخلات إنتاج، ومن ثم ارتفاع الأسعار والخدمات قائلاً "أسعار المواصلات والانتقالات للفرد الواحد قد ترتفع إلى 1000 جنيه (نحو 18 دولاراً أميركياً) وطبق البيض إلى 700 جنيه (12.6 دولار أميركي)".
أوضح أن الزيادة الأخيرة في الأجور بنسبة 500 في المئة غير مدروسة، إذ لم تكن تعتمد على زيادة معدلات الإنتاج، ولكن كانت تعتمد بشكل أساسي على التوسع في طباعة النقود، وهو ما أثر على الأجور، خصوصاً أن الموظفين في القطاع العام السوداني يمثلون 80 في المئة، بينما يمثل القطاع الخاص نحو 20 في المئة، مما أسهم في تذمر في القطاع الخاص، وأسهم في زيادة أعداد المتعطلين عن العمل.
ضبط الأسواق وتغير العملة الحالية لكشف الأموال المزيفة
بهذا الخصوص، طالب بضبط السوق خصوصاً أن السلع الأساسية في السوق السوداني أصبحت من الكماليات ولم يعد هناك فارق بين السلع الأساسية والكماليات بسبب التضخم، نظراً لارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه بسبب التضخم أصبح كل سوداني مليونيراً، حتى وهو لا يملك مصاريفه الشهرية أو قوت شهره فقط، لكنه يستطيع أن يشتري سيارة بمليون جنيه سوداني إلى جانب تغيير العملة السودانية الحالية لكشف العملات المزيفة في الأسواق وجمعها.
ارتفاع أسعار الدولار في غاية الخطورة
من ناحيتها، قالت نهى أوشي المتخصصة في الاقتصاد السوداني، إن تصاعد أسعار العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار مقابل الجنيه السوداني أمر غاية في الخطورة على الاستقرار الاقتصادي وعلى أسواق السلع.
وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أن استمرار الأمر على هذا النحو يؤثر سلباً على معيشة المواطن. وفي هذا السياق، أشارت إلى أن هذا الارتفاع غير المبرر لعدم وجود أسباب اقتصادية منطقية يعتبر معولاً لهدم أي برامج تنموية أو خطط مستقبلية أو حتى نية لإحداث استقرار اقتصادي. وأوضحت أن السلع الإستراتيجية ومدخلات الإنتاج تتصاعد أسعارها بشكل مخيف مع كل ارتفاع جديد في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
دعم الإنتاج الحقيقي
أما بخصوص الحلول، فطالبت القائمين على أمر الاقتصاد السوداني، للحد من هذا الارتفاع، بدعم التوجه نحو الإنتاج الحقيقي والذي بمقدوره إنعاش الاقتصاد من خلال توفير نقد أجنبي لخزينة الدولة، خصوصاً من خلال القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إذ إن السودان بلد زراعي ويمتلك ثروة حيوانية كبيرة وموارد ضخمة، هذا إضافة إلى الثروات المستقبلية في قطاعات النفط والمعادن والطاقة الشمسية، وكذلك لا تزال السياحة بكراً في السودان.
في هذا الشأن، أشارت إلى وجود مزارات سياحية تحتاج إلي التطوير والتجهيز فقط للمقاصد السياحية في الولاية الشمالية، وما تضمه من حياة برية ورحلات السفاري والمنتجعات بمنطقة البجراوية والدفوفة علاوة على حظيرة الدندر مدينة كرمة.
هيكلة القطاع المصرفي
من طرف آخر، دعا المتخصص في شؤون المصارف لؤي عبد المنعم إلى هيكلة القطاع المصرفي وتعزيز السيولة المصرفية بالاستفادة من الميزة النسبية التي يتمتع بها السودان في إنتاج الذهب، وضرورة وضع سياسة جيدة للتعامل مع المغتربين لجذب مدخراتهم.
وطالب في تصريح لوكالة أنباء السودان (سونا)، بهيكلة ديوان الضرائب وتعزيز الإيرادات دون فرض مزيد من الضرائب مع إعادة هيكلة الدعم الحكومي على ضوء الزيادة في المرتبات وتوسيع مظلة الدعم المباشر للأسر الفقيرة.
ووجه لؤي رسالة إلى المؤتمر الاقتصادي القومي الأول الذي ينعقد أواخر سبتمبر (أيلول) الحالي بطرح مقترحه الخاص حول الجنيه الذهبي الادخاري المحصور التداول داخل المصارف كمنتج لتعزيز السيولة المصرفية والحد من المضاربة على الدولار خارج الحاجة إلى الاستيراد.
قبل 24 ساعة احتلت السودان المركز الأول في قائمة الدول الأكثر ديوناً في العالم، عندما سجلت ديون الخرطوم نحو 295 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بتفاقم النسبة قبل نهاية العام الحالي، وفقاً لمجلة فوربس العالمية، وجاءت السودان على رأس قائمة ضمت 5 دول بعد السودان هي "اليابان ثم اليونان ثم لبنان، وأخيراً إريتريا".