سكان مدينة زبيد اليمنية يخشون من أن تطال المعارك المعالم التاريخية المساجد والمدارس الدينية والمنازل التقليدية التي يتراوح تاريخ بنائها بين 200 و600 سنة.

الحرب تطال سكان زبيد بالحديدة وآثارها التاريخية

الثلاثاء 6 مارس 2018 03:15:31
testus -US
تحقيق صحيفة العرب اللندنية

يخشى سكان مدينة زبيد اليمنية من أن تصل المعارك الدائرة على الساحل الغربي للبلد الفقير إلى مدينتهم التاريخية، فتتسبّب في سقوط ضحايا في ما بينهم، وفي دمار المنازل والمساجد الأثرية التي ظلت صامدة منذ بنائها قبل عقود طويلة.

والمدينة التي تعتبر درّة معمارية تمتاز بدروبها الضيقة ومآذنها التي تقف شامخة تجاور مساجدها البالغ عددها 86 مسجدا، أما المدارس الإسلامية، فيصل عددها إلى أكثر من 80، كلٌّ منها يعدّ تحفة معمارية تجسّد رفعة الفنّ المعماري اليمني القديم وتطوّره. كما تضم المدينة التاريخية حوالي 2400 منزل تقليدي، يتراوح تاريخ بنائها بين 200 و600 سنة.

من بين السكان الذين يخشون انهيار المدينة، أحمد حسين احمد الذي يقطن عند أطراف المدينة وتضرّر منزله قبل أسابيع بعدما أصيب في قصف خلال اشتباكات بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين.

وقال أحمد وهو جالس بالقرب من إحدى النوافذ الخشبية القديمة عند جدار خارجي لمنزله “دمرت بيوتنا كونها مبنية من الطين المحلي”، داعيا المنظمات الدولية إلى المساعدة على إصلاح الأضرار. وحذّر من أن أي ضربة تصيب أحد المنازل في المستقبل “ستتسبب بانهيار السقف علينا”.

 

القصف العشوائي لا يقدّر القيمة التاريخية للمباني التي تمتاز بها المدن، تلك المعالم التي شيّدها الناس على مرّ قرون من الزمن لتفتخر بها الإنسانية وما أنجزته مهما كان البناء صعبا، لكن خيال المعماريين كان يُحيل على حب الحياة، فمدينة الزبيد اليمنية التي تأسست منذ فجر الإسلام تمتاز بعمارة منفردة جعلتها منظمة “اليونسكو” تراثا عالميا، تخشى عليه اليوم من القصف بالصواريخ التي يمكن أن تحيلها إلى تراب وخراب.

كانت زبيد عاصمة لليمن بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، واعتبرت في السابق مركزا للعلوم الإسلامية. وتضمّ خامس أقدم مسجد، وهو من أبرز المعالم العمرانية في صدر الإسلام.

يقول رئيس “جمعية الكتّاب السياحيين في اليمن” الكاتب ياسين التميمي، إنّ مدينة زبيد “لعبت أدواراً مؤثرة منذ أن اختطها الوالي العباسي محمد بن زياد مقراً لوالي اليمن قبل أن يخرج عن طاعة الدولة في بغداد، ويؤسس دولته ويتخذ من زبيد عاصمة له”.

ويشهد اليمن، الغني بالأبنية التاريخية منذ سنوات نزاعا داميا بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية. وخلال الأسابيع الماضية، وصلت المعارك إلى أطراف مدينة زبيد.

ومع استمرار القتال بالقرب من المدينة، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شهر مارس الماضي أن أي تدمير “للممتلكات الثقافية في المدينة سيعني خسارة فادحة يتكبّدها الأفراد والمجتمعات المحلية والإنسانية جمعاء”، داعية جميع أطراف النزاع “إلى حماية مدينة زبيد واحترام معالمها”.

وتابعت “لا شك أن القتال يشكّل خطرا يحدق بالمدنيين والطابع المعماري الفريد لمدينة زبيد، ويهدد الروابط الثقافية للمدينة بأحد الأديان الرئيسية في العالم”. وأكد ألكسندر فيت، رئيس بعثة اللجنة الدولية في اليمن، أن القانون الدولي ينص بوضوح “على ضرورة إيلاء اهتمام خاص في العمليات العسكرية لتجنّب الإضرار بمثل هذا الموقع الأثري والتاريخي البارز”.

وأُدرجت زبيد على قائمة منظمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” في عام 1993. وتقع زبيد على بعد نحو 75 كلم جنوب شرق مدينة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، والخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين.

للمدينة أربعة أبواب أثرية قديمة مبنية من الآجر، جميلة المنظر تتوزّع على سور المدينة القديم المندثر، من جهاتها الأربع، وهي ابتداءً من الشمال: الباب الشمالي، باب سهام، يتكوّن من طبقتين وتستعمله الدولة حاليا مرفقا حكوميا، ثم الباب الجنوبي، باب القرتب، الباب الشرقي، باب الشباريق، والباب الغربي، باب النخل.

وهناك قلعة زبيد الكبرى التي تعتبر أكبر القلاع الأثرية بمدينة زبيد. فهي بناء مهيب يتكوّن من ترابط عدد من الأبنية والمرافق المتكاملة، مسجد وبئر ومخازن وعنابر وإسطبلات خيول ودار حكم… ويحيط بها سور واحد وحائط مسجد الميلين – الإسكندرية.

وفي زبيد، يحذّر الحسين عبدالرحمن، المتخصّص في ترميم المباني الأثرية، من أن المباني والمساجد التاريخية في المدينة لا تحتمل أي ضربة.

ويوضح “في المدينة مبان أثرية كثيرة، ولا تحتمل أي اهتزازات أو صواريخ لأنها مدينة قديمة ومسجّلة على قائمة اليونسكو”، مضيفا، “يفترض أن يحافظ العالم عليها”.

في شوارع المدينة، وبين أبنيتها ترابية اللون التي تبدو بعضها وكأنها قلاع صغيرة، تسير الحركة المرورية والتجارية بشكل طبيعي.

ورغم اقتراب المعارك، بقيت المحالّ التجارية في الأسواق القديمة، والمؤسسات، مفتوحة، وبينها مكتبة زبيد العامة التي تقع في الطابق السفلي من مبنى تزيّن واجهته الخارجية عشر نوافذ تبدو كقناطر مياه صغيرة. ورغم الأهمية التاريخية للمدينة فإنها تبقى عرضة للتشويه والتغيير في بيئتها المعمارية المتميزة، فالسكان يخشون من أن تبدأ طائرات التحالف العسكري التي تشن غارات ضد مواقع المتمرّدين في مناطق أخرى، بتنفيذ ضربات بشكل مفاجئ كون المدينة تخضع لسيطرة الحوثيين.

ويعبّر مدير عام الهيئة العامة للمحافظة على المواقع التاريخية في زبيد مختار عبدالصمد عن خوف من أن “يدخل التراث بالاستهداف”. وتابع الصمد متحدثا في باحة مبنى تضم خمسة أبواب خشبية قديمة بنية اللون أن هذه المدينة معرّضة للخطر لذلك “نناشد المنظمات الدولية ومنها اليونسكو بأن تشدّد على هذا الموضوع بحيث لا يتمّ استهداف المدينة التاريخية”، متابعا، أن زبيد “ملك للعالم وليست لليمن وحده”.