في ظلال الحدث الأكتوبري االمجيد
د. عيدروس النقيب
سيبقى الحدث الأكتوبري هو الأبرز في التاريخ الجنوبي الحديث والمعاصر، ليس فقط لأنه ارتبط بتحرير الأرض والإنسان وتقرير مصير البلد بيد أبنائه وانفتاح البلد على مستقبل مختلف ومغاير لكل ما قبل أكتوبر، ولكن لأن أكتوبر صنع معطيات جديدة أهمها قيام دولة جنوبية جديدة موحدة شملت كل الإقليم الجنوبي لأول مرة منذ قرون على أنقاض أكثر من 23 كيان سياسي سابق، ثم الشروع في بناء منظومة هذه الدولة على الأسس الدستورية والقانونية والتشريعية الحديثة التي أفضت إلى متغيرات لم يكن من الممكن حصولها لولا ثورة أكتوبر الخالدة.
وإذا كانت النخبة السياسية الوطنية من الطلائع الكفاحية من المثقفين والسياسييين والمقاتلين من مختلف أبناء الجنوب قد تبوأت قيادة ثورة الرابع عشر من أكتوبر حتى فجر الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م، فإن هذا لا يمكن أن يجعلنا نغفل عن حقيقة واحدة وهي أن تلك الثورة كانت ثورة الجماهير العريضة من أبناء الجنوب بمختلف شرائحهم الفئوية والطبقية والاجتماعية والجهوية، وكل هؤلاء قد انخرطوا في معركة التحرير ثم في المعارك اللاحقة في بناء النظام الوطني الجديد، وكانوا صناعا للمنجزات الثورية التي حققتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر وكانوا أداتها وهدفها في آن واحد.
الذين يتباكون على زمن الاستعمار ويربطون تباكيهم هذا بما يقولون عنه توفر الكهرباء والماء والأمن والنظام في عهد الاستعمار وانعدام كل هذا في هذه الأيام يغالطون أنفسهم ويستخفون بعقول متابعيهم وقرائهم، لأنهم يعلمون أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر ليست هي من دمر الخدمات ولا من أخفى الكهرباء ولا من ألغى الأمن وأحل الفوضى، ولا من دمر التعليم وعمم الجهل ولا من تاجر بالأدوية وأوقف حملات استئصال الأمراض والأوبئة، بل على العكس إنه وبفضل ثورة أكتوبر فقط جرى نقل هذه الخدمات التي كانت حصرا على عدن وبعض المدن الجنوبية الرئيسية لتصل إلى كل مدن وأرياف الجنوب وليصبح بإمكان العامل البسيط أو الفلاح الريفي أو البدوي المترحل أن يعلم ابنه في مدرسة حديثه حتى يصل إلى الجامعة ويحصل على التأهيل التخصصي العالي، وأن يعالج مريضه مجانا في مستشفى أو مركز صحي محترم ، وأن يلجأ إلى مركز الشرطة والمحكمة عند أي منازعة حقوقية أو مدنية أو جنائية، ولأول مرة صار القاتل يقتل بحكم محكمة وقاطع الطريق يسجن، ومخالف القانون يردع بالقانون، وهو ما لم يوفره الاستعمار قبل الثورة وعجز عن مواصلته من أسقطوا الثورة بغزوهم للجنوب وتدمير منجزاته.
ليس ذنب ثوار أكتوبر أن من سطوا على الثورة والدولة في الجنوب أزالوا من الوجود منجزات الثورة مع بعض ما خلفه الاستعمار من ملامح المدنية في عدن وبعض مراكز المحافظات، وليس ذنب ثورة أكتوبر وثوارها أن المحتلين الجدد بدوا أكثر قبحا وتخلفاً من المحتل الأجنبي، فتلك القضية يمكن مناقشتها في سياق مختلف عن ثنائية (الثورة-الاستعمار البريطاني) بل في سياق ثنائية أخرى هي ثنائية (الثورة-الانقلاب على الثورة) واختطافها من قبل غزاة 1994م، الذين يحتفلون هذه الأيام بالثورة زورا وبهتانا واغتصابا واختطافا.
هنيئا لشعبنا الجنوبي الذكرى السابعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر.
والمجد والخلود لشهداء الثورتين الجنوبيتين الأولى والثانية
ولأكتوبر العظيم المجد والسمو والتحرر من ربقة الاختطاف ومحاولة الاحتواء
ومعاً على طريق الجنوب الجديد.