الحكومة.. من غزوتي المعاشيق إلى فتح شقرة
وهيب الحاجب
عندما تسلّم أمين عام المجلس الانتقالي، أحمد حامد لملس، مهامه محافظا للعاصمة عدن، استنفرتْ كلُّ التشكيلاتِ العسكرية الجنوبية لحمايته كسلطة محلية تمثل شرعية الرئيس هادي، وأبدتْ كل القوى السياسية الجنوبية استعدادها لدعم المحافظ، وانبرت القوات الجنوبية لتكون ذراعه الأيمن نحو بسط النظام والقانون واستعادة كيان الدولة، في تأكيدٍ واضح من الطرف الجنوبي على احترام مسار السلام والتمسّك بالشراكة منهجاً لرفع معناة الشعب بتحسين الخدمات، وتكتيكاً مشروعا لهدف استراتيجي ذي بُعد سياسي واضح هو التأكيد على استقلالية الكيان الجنوبي، وفق مشروع وطني يحمله الانتقالي ومعه كل القوى الفاعلة والموجودة على الأرض، وعبر قنوات يقرُّها القانون الدولي وتكفلُها مواثيقُ الأمم المتحدة.
عودةُ حكومة المناصفة إلى عدن، والبدء بممارسة مهامها بحماية كاملة من القوات الجنوبية، التي طردتْ حكومة بن دغر من قصر معاشيق، ما هي إلا رسالةٌ ذاتُ أبعادٍ متعددة تبيّن، في مجملها، طبيعة التوازنات وشكل المعادلة وأطرافها وكذا خريطة السيطرة وديموغرافيا الأرض والإرادة الجمعية والتوجّهات العامة، رسالةٌ أبسط دلالاتها تشير إلى أن الطرف الجنوبي، بجناحيه السياسي والعسكري، صاحبُ قضيةٍ وذو مشروعٍ يستمدُّ قوته من "الجغرافيا والديموغرافيا والإرادة الجمعية"، طرفٌ بات اليوم ذا مشروعية وشرعية أثبتتْ كلُّ الأحداث، من غزوتني معاشيق حتى فتح شقرة، أنه صخرةٌ تكسّرت عليها كل مشاريع الهيمنة والإقصاء، وخابت أمامها كل مخططات الغزو والاحتلال والإخضاع بالقوة العسكرية، وجَبُنتْ عندها كل محاولات الاستقواء بالتنظيمات الإرهابية والمرتزقة.
حكومةُ المناصفة اليوم دخلت "بيت أبي سفيان" آمنة مؤمّنة، تحرسها جيوشٌ جنوبية كانت حتى الأمس، في نظر تلك الحكومة، مليشياتٍ وعصاباتٍ، وتؤّمنُ تحركاتِها قوات وأجهزة أمنية كانت تتهمها الحكومة بأنها انقلابية ومتمردة. سقطتْ ورقة التوت وغدا الملشياوي نظامياً وصار الانقلابي شرعياً والمتمردُ شريكاً، وأصبح الهمُّ واحدا والمسؤولية موحّدة والهدف من محاربة الحوثي واحدا، وإنْ اختلف الهدف الاستراتيجي لكل من نصفي الشرعية فتلك مسألةٌ خاضعة لمفاوضات نهائية، وربما لحسابات إقليمية وتغيرات واسعة ستشهدها المنطقة.
الواقع في عدن يتطلبُ من القوى السياسية والعسكرية الجنوبية قدرا عاليا من المسؤولية لتسهيل عمل الحكومة وتأمينها وحماية المؤسسات وإسناد أجهزة الدولة والقضاء في إنفاذ النظام وبسط هيبة القانون على الجميع، وفي المقابل يتطلب من الحكومة، والطرف الشمالي تحديدا، احترام من يؤمّنها والتعاطي معه بعقلية المسؤول لا بعقلية العدو، وإعطائه الثقة كجهاز أمني وجيش نظامي من مسؤولياته حمايتها والعمل إلى جانبها لا العيش تحت رحمته.
في الخلاصة، إن واجب الحكومة اليوم هو التعايش مع الواقع العسكري في عدن، والعمل على إعادة بناء الثقة مع القوات الجنوبية، وتوحيد الجهود نحو البناء وتحسين معيشة الشعب، لا التقوقع في شماعة "دمج القوات" أو السعي إلى تفكيك التشكيلات العسكرية الجنوبية وتسريحها، أو المغامرة بزج قوات من خارج عدن تحت يافطات الجيش الوطني والشرعية والجمهورية والوحدة؛ فذلك هو ما يعجّل بترحيل الشرعية من معاشيق في "هجرة" ثالثة قد تضل طريقها هذه المرة!.