لو كنت في مكان بن دغر
د. عيدروس النقيب
ليست المرة الأولى التي يضع فيها الدكتور احمد بن دغر نفسه في موضع المهانة والإذلال والإزدراء من نفسه لنفسه مقابل وظيفة تافهة لا قيمة لها أمام عزة المرء وكرامته وكبريائه.
بعد حرب 1994م ونزوح القيادة الجنوبية بفعل إسقاط محافظات الجنوب من قبل جحافل الجيش الشمالي الشقيق، حُكِم على أحمد عبيد بن دغر وآخرين من قادة الدولة الجنوبية بأحكام تتراوح بين الإعدام والسجن لسنوات تصل إلى 15 عاماً في محاكم استثنائية صورية غاب فيها المتهمون والمحامون وغابت معهم العدالة.
ولدى عودته في العام 2004م وانتخابه عضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وبدلا من أن يستدعي ذلك المشهد الذي ظل فيه اسمه وأسماء زملائه من القادة الجنوبيين المحكومين تتردد على ألسنة المحاميين ووكلاء النيابة والقضاة ورجال الإعلام والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية كمجرمين وعتاة وعملاء وخونة، بدلاً من كل هذا ذهب الدكتور بن دغر يتعسس الطريق للاقتراب ممن أصدروا الأحكام عليه وعلى رفاقة ونط إلى سفينة الرئيس صالح في ذروة محنته وخوفه من الهزيمة أمام منافسه الكفء في الانتخابات الرئاسية للعام 2006م المهندس المرحوم فيصل بن شملان، ولدى ظهوره بجانب الرئيس صالح في مهرجانه الانتخابي بالمكلا حاضرة حضرموت كان يعتقد ومعه الرئيس صالح أنه قد قدم له دعاية انتخابية مجانية أكبر من عشرات المهرجانات لكن الانتخابات سارت على نحو مغاير وهذا ليس موضوعنا، وحصد بن دغر الفوز بعضوية المؤتمر الشعبي العام دون أن تسقط عنه تهمة "الخيانة والعمالة والتآمر ومحاولة تمزيق وحدة الوطن".
لم يطالب بن دغر حتى برد الاعتبار أو إسقاط لغة الاتهام والعمالة لا عن نفسه ولا عن زملائه المحكومين معه بنفس التهمة، ولم يشترط إيقاف التخوين من قاموس الذين انحاز إليهم، بل راح يكرر استخدام تلك المفردات التي استخدمت ضده، يكررها مع مستخدميها، ضد رفاقه في النزوح والتهمة والأحكام الملفقة.
بن دغر هذه المرة يكرر نفس المشهد، والمختلف فقط هو اسم الزعيم ونوع التهمة، ففي حين أحاله فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى التحقيق بعد الإطاحة به من رئاسة الوزراء بتهم متعددة أقلها الفساد والفشل وتعطيل عمل الحكومة، لم يقل بن دغر شيئا عن هذه الاتهامات لا نفيا ولا اعتراضا، وطبعا لا تأكيدا ولا اعترافا.
وبدلاً من المطالبة برد الاعتبار وإسقاط قرار الإحالة إلى التحقيق، أو المطالبة باستكمال التحقيق حتى يثبت براءته، وهذا مستحيل لأسباب معروفة لكل ذي عينين، بدلا من كل ذلك راح بن دغر يتمسح بموظفي مكتب الرئيس ويتودد للمستشارين والنافذين ويكتب المدائح في فخامة الرئيس الذي احاله إلى التحقيق ليحصل على وظيفة يعتقد انه من خلالها سيصل إلى الموقع الذي لم يمكنه من الوصول إليه، لا الحزب الاشتراكي الذي كان في أعلى هيئاته القيادية، ولا مؤتمر صالح الذي اقترب من موقع الرجل الأول فيه، ولا التحالف مع الحوثيين حينما وقف يردد الصرخة في ميدان السبعين لعدة اشهر.
لو كنت في مكان الدكتور بن دغر لما قبلت بأي وظيفة حكومية لا صغيرة ولا كبيرة قبل أن تحسم مسألة التحقيق وأثبت فيها براءتي ويرد لي الاعتبار وينشر كل هذا في الصحف والمواقع والقنوات الرسمية والأهلية التي نشرت أخبار الإحالة إلى التحقيق، مصحوبة باعتذار رسمي، وستكون هذه أكبر من اية وظيفة ولو كانت رئاسة الجمهورية نفسها.