إيران تعيش على التصعيد
مهرة سعيد المهيري
ماذا تريد إيران وإلى أين تريد أن تصل؟ هل محاولتها لزعزعة أمن الشعوب أصبحت شاملة لكافة المناطق والدول؟ نقف حائرين أمام تعرض السفينة الإسرائيلية في الخليج العربي ولماذا هذا التوقيت بالذات. القيادة الإسرائيلية تتهم إيران حسب تصريح وزير خارجيتها، حيث اتهمها بالوقوف وراء الهجوم على السفينة في مياه الخليج العربي. وشدد نتنياهو على أن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك قدرات نووية.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس قد قال إيران مسؤولة عن الانفجار الذي استهدف سفينة مملوكة لشركة إسرائيلية في الخليج العربي. وقال جانتس لهيئة البث الإسرائيلية «كان»: «إيران تسعى لضرب البنية الأساسية الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين. موقع السفينة القريب نسبياً من إيران يثير فكرة، وتقييم، أن الإيرانيين هم من فعلوها».
ولم يعد خافياً على أحد أن حلفاء إيران هم وراء بقاء إيران بهذه العنجهية ولا يخفى على أحد أن التدخل العسكري لإيران في الملف السوري أطال أمد الحرب، وأقحم النزاع في قالب طائفي لن تسلم البلاد من تبعاته في العقود القادمة. كما أن طهران زادت من معاناة أهل اليمن عبر دعمها لمجموعة الحوثيين، ليصبح اليمن مسرحاً لأسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، وفق شهادة الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك «حزب الله» الذراع السياسية الأبرز لإيران وحركة «حماس» التي يقول معارضوها بأنها الورقة التي تستخدمها طهران لتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، إضافة إلى ميليشيات عسكرية منتشرة في أفغانستان وباكستان والعراق. أهل المنطقة يعرفون بالضبط ما هي إيران. قد يتجنبون الصدام معها لأسباب مختلفة، منها الحفاظ على ما تبقى من السلام الإقليمي، لكنهم يدركون أن إيران لن تقف عند حد.
شهية طهران للتوسع مفتوحة، وزادت هذه الشهية أكثر مع قضمها العراق، وتمددها في اليمن وسوريا، وسيطرتها شبه الكاملة على لبنان. ولكن ما لا يعرفه الخليجيون تماماً هو إلى أي مدى ستذهب الولايات المتحدة في مواجهتها الجارية مع إيران.
تهدف إيران من خلال هذه الهجمات إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي. إيران محتاجة إلى من يدعم الشعب الإيراني لمواجهة الطغيان والاستبداد وحكم الملالي، وأن توجه رسائل وقنوات إعلامية للشعب، من بعد إحكام العقوبات على هذا النظام، هذا ما يحتاج إليه الوضع الإيراني، وليس حرباً تدمر المنطقة، ويكون الهدف من ورائها إضعاف دول الخليج، وإنهاكها، وصولا إلى هدفهم الأكبر وهو تفتيت المنطقة.
التهديدات الإيرانية لم تتوقف عند من تعدهم من الأعداء في دول الخليج، بل قد تطال الأصدقاء أيضاً. إيران تعيش على التصعيد. تقول يومياً أنا هنا وهذه رسالتي لكم. أنا استعيد امبراطورية قديمة على حساب المنطقة مهما كان الثمن. وإذا كان الإسلام وسيلتي في الوصول إلى الغاية الإمبراطورية فلا مانع. الحركات الدينية هي مشاريع لميليشيات في كل مكان كما شهدنا في لبنان أولاً ثم العراق واليمن وسوريا. لم تنج حتى إفريقيا من المد الإيراني الذي يهدف إلى صناعة النفوذ ثم استثماره. مع كل استعراض عسكري لميليشيات تتبع إيران نعرف حجم الخطر. إنها عملية نشر ممنهجة للسلاح والمشاكل التي يغذيها السلاح. ثم تأتي طهران وتقول «فاول». تقول إنهم يستهدفون الدين والمذهب ويتأكدون من فشل التجربة الإيرانية.
لا نعرف ما هي التجربة الإيرانية الناجحة التي تعتقد إيران أنها صنعتها منذ عام 1979. زادت من اعتمادها على النفط وتتباكى حين يضغط الغرب عليها اقتصادياً عبر تحديد التصدير أو المبيعات. فهل هذه التجربة التي يسعد بها الإيراني العادي ويتمنى الزعماء الإيرانيون أن يعمموها على المنطقة؟ مشاكل إيران مع الإسرائيليين لا تخصنا، لأنهما في سباق استراتيجي على من يتحكم بمنافذ منطقة الهلال الخصيب على البحر المتوسط. لا تأتوا بحربكم هنا في الخليج ولا نريد أن يتهدد الأمن بلا طائل. المنطقة شهدت ما يكفي من الحروب، وليس لمراقب أن يخطئ بالنظر وإدراك أن لا حرب فيها مرت من دون أن تكون إيران هي الطرف. الشعب الإيراني ينظر الآن ويقول لنفسه: هل هذا التصعيد هو ما نريده لبلدنا؟ كم صاروخاً نستعرض على حساب كل فقرة من فقرات الحياة الاعتيادية الطبيعية التي نريد أن نحياها ؟ كم سفينة نهدد لكي ندرك أن ابتزاز المنطقة غير مجد وأن سفننا هي التي تعاني وتدور تبحث عن زبائن للنفط ؟ ألا نحسن لغة التفاهم مع جيراننا عبر الخليج، أم أن نصيبنا أن نتبدل بين شرطي للخليج في زمن الشاه وميليشياوي يهدد الخليج في زمن الملالي؟