المهندس المنصوري الكفاح ومأساة الرحيل.
أحمد الربيزي
ما أصعب ان تكتب عن الناس البسطاء، الذين تشاهدهم هنا أو هناك، في الطرقات وفي ازقة الشوارع يغالبون الحياة ويحملون في جنبات ضمائرهم قصص كفاح تُكتب بما الذهب، ولأننا نذهب دوماً كإعلاميين الى زهلقات الاضواء، وضجيج الحياة السياسية وإثاراتها، فقد نمر بجانبهم دون ان نلتفت اليهم وهم يصنعون الحياة بكل جهد ومثابرة، ولا يكترثون كثيراً لما يدور من خلف ظهورهم من شئون السياسة الخارجة عن اهتماماتهم اليومية، رغم تأثرهم بسلبياتها تأثراً مباشر.
وحتى لا أطيل ..
صدمني فجر اليوم الخميس الخبر الفاجعة بوفاة المهندس عبدالله المنصوري بحادث أليم اثناء ماكان يقوم بعمله في إصلاح جهاز تكييف لأحد المواطنين في مدينة كريتر في وقت متأخر، من مساء يوم أمس الأربعاء - حسب ما صلني من معلومات - انه ذهب لإصلاح مكيف لأحد المواطنين في مدينة كريتر وبعد أن أنجز عمله كانت الكهربا كعادتها في خذلان الناس الطيبين، ولانه لا يستطيع أكمال عمله بدون كهربا فقد اتفق مع المواطن ان يستدعيه فور عودة التيار الكهربا، ولم يعد التيار الملعون الا قبيل منتصف الليل بقليل، فسارع المهندس المنصوري الى المواطن ليكمل عمله وأثناء ذلك سقط من الدور الأول، او الثاني اثناء محاولاته إصلاح المكيف وكان السبب الذي أدى إلى وفاته في الحال.
"المهندس المنصوري" شخصية معروفة عند الكثير من الناس في عدن، ليس في خورمكسر فحسب، فقد تعامل معه الكثير من أبناء المدينة واستدعوه لحاجتهم اليه لإصلاح اعطاب في أجهزة التكييف منزلهم او ترميم (ثلاجاتهم)، ولاشك ان أسمه يرن في كثير من منازلنا، وما ان يطل علينا في منازلنا الا وتنفتح سرائرنا بوصول المهندس المحترم الذي يسارع الى معاينة ضالته، ويتفحصها دون ان يكترث لشي آخر، وكأنه من ملائكة الرحمن (الأطباء) وما ان ينتهي من فحصها الدقيق ويتم إصلاحها للتو، لتتفاجئ انه بقبوله أجر زهيد جداً، اقل من ما تخيلته بكثير، اما اذا كانت أعطابها كبير، فالرجل هنا يتكفل بحملها بمساعدة عماله وعلى متن سيارته (الهيلوكس) الى ورشته، وعند إصلاحها كذلك يعيدها الى مالكها بكل تواضع، ولا يطلب أجر الا بأدني مما توقعته تماماً، والحال نفسه في تنظيف المكيفات الجدارية التي تأخذ منه العنا الكبير والأجرة القليل.
المهندس عبدالله المنصوري الرجل العصامي الخلوق الذي تعد قصته، قصة كفاح في بناء نفسه بجهد وكد ومثابرة، حتى استطاع ان يجعل له في مجتمعنا مكانة في قلوب كثير من الناس في أحياء مدينة عدن، والتي ولاشك ستفتقده كثيراً.
فمن هو "المهندس المنصوري"؟!
هو عبدالله الخضر المنصوري من ابناء خورمكسر, درس فن هندسة التكييف والتبريد في معسكر طارق في دائرة الإسكان التابعة لوزراة الدفاع والتي خرّجت الكثير من الكوادر الفنية في اقسامها المتعددة، مثل هندسة التكييف والتبريد، والكهربا، والنجارة والبناء وغيرها من الأقسام، وكان زملاءه من الضباط يستدعوه لإصلاح أجهزتهم في منازلهم، وذاع صيته بين ضباط القوات المسلحة بأعتباره من أكفاء المهندسين، واوكلت اليه مهمات إصلاح أجهزة التكييف والتبريد في الدوائر العسكرية، وفي الكثير من والوحدات العسكرية، وأكتسب سمعة طيبة، وكانت إنطلاقة لعمله الخاص لاحقاً.
بدأ حياته المهنية الخاصة بعد التقاعد من القوات المسلحة، في منزله في حي الإنشاءات، (الدوابية) قديماً، وكان يتنقل حسب طلب زبائنه بسلته الصغيرة التي كان يحمل فيها عدته الهندسية، ومع الوقت والتطور المعماري في المدينة، وازدياد الحاجة إلى الايادي الفنية استطاع المهندس عبدالله المنصوري، ان يعلّم أخوته وأبناءه، وبعض الشباب من جيرانه فن هندسة التبريد والتكييف، خاصة بعد ان فتح ورشة صغيره تطورت تباعا حتى صارت ورشة الفنية متكاملة، واستطاع ان يطور عمله حتى وصلت سمعته الى أغلب مناطق وأحياء العاصمة عدن. حيث كان بأخلاقه وقناعته، ان يكسب ثقة الناس فيه وفي عمله، مستمراً وغير متكبراً في تلبية حاجة زبائنه وزيارتهم الى منازلهم لإصلاح أجهزتهم بكل تواضع.
رحمة الله على روحه الطاهرة المكافحة بصبر وثبات اخلاق، وزهد وتواضع، لا يمسها كبر ولا غرور. وتغمدها الله بواسع رحمته واسكنها فسيح جناته.
إنا لله وإنا إليه راجعون.