ما لم تكن إيران تتوقعه من السعودية
فاروق يوسف*
مَن قال إن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي لا يعرف أنه يلعب بالنار حين مد يده إلى جحر الأفاعي؟
هو يعرف أكثر منا ما يعنيه الإسلام السياسي بمؤسساته المتشعبة، ما خفي منها وما ظهر في بلاده.
لم تكن المؤسسة الدينية حاكمة في المملكة التي لم يتخذ الحكم فيها طابعا دينيا، غير أن سلطة تلك المؤسسة على المجتمع كانت دائما غير محدودة وقوية ولا يقف أمامها أحد. على الأقل على الصعيد العلني.
لم يكن هناك أحد يتوقع أن تغادر المملكة الفخ الذي وقعت فيه بتأثير مباشر من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979. ذلك لأن التهديد الإيراني قد تعاظم بمضي الوقت ولم تعد المسألة تتعلق بخلاف عقائدي، حاولت إيران أن تجر المملكة من خلاله إلى مواقع لا صلة لها بمعطيات وظواهر العصر الحديث الذي تنتسب إليه المملكة في جزء لافت من حيويتها العالمية، فيما انقطعت إيران عن الأخذ بسبله وأساليبه وأسبابه ومعاييره.
لقد أدرك ولي العهد السعودي أن التصدي للمشروع الإيراني لن يكون ناجحا عن طريق اختراع مشروع مقابل هو في حقيقته رد فعل ينتسب إلى النوع نفسه. ليس صحيحا أن تُقابل الدولة الدينية في إيران بدولة دينية مضادة.
هذا ما كان يتمنى زعماء إيران وقوعه. فإيران الطائفية سعت، وتسعى، إلى تحويل المنطقة كلها وليست السعودية وحدها إلى حقل ألغام طائفي.
الحل الذي اهتدى إليه الأمير السعودي هو أن توضع إيران في مكانها الحقيقي: دولة شريرة متخلفة بنزعات سياسية عدوانية اتخذت من التضليل الديني غطاء لمشاريع يغلب عليها العته والبلاهة والجهل والعنصرية وسواها من عناصر، نأى العالم بسبب التقدم العلمي بنفسه عنها.
تحجيم إيران وإعادتها إلى جادة الصواب ومنعها من الاستغراق في عمليات نشر الفتنة الطائفية وتمزيق المجتمعات على أساس هويات ضيقة، صار الإنسان في العصر الحديث في غنى عنها، لن يتم إلا عن طريق التحديث والعصرنة.
أن تكون المملكة العربية السعودية دولة حديثة، بما يتناسب مع قدراتها الذاتية الهائلة ومكانتها المرموقة في العالم، هو المفتاح السحري الذي وضعه الأمير الشاب على طاولة الصراع.
صحيح أن الخطر الإيراني صار كما يُقال على الأبواب وهو ما يؤكده التمدد الإيراني في العراق وسوريا واليمن وإيران، غير أن ذلك الخطر لا يشكل إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد. كانت المشكلة أكثر عمقا وأشد تعقيدا. ذلك لأنها تتعلق بنمط الحياة في المملكة وطبيعة القوى التي تتحكم بتلك الحياة.
لقد عطلت ظاهرة الإسلام السياسي الكثير من قدرات الشعب في المملكة على الخلق والإبداع والمساهمة في الحياة المعاصرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد وضعت تلك الظاهرة المملكة في مكان لا يليق بها من حيث كونها قوة اقتصادية كبيرة، إضافة إلى ما يمكن أن تلعبه من أدوار أساسية في تطوير الحياة في العالم العربي بما ينسجم مع حجمها السياسي.
السعودية، التي لا ترغب في أن تحل محل مصر قلبا للعالم العربي، يمكنها أن تكون رائدة التحديث في ذلك العالم الذي سعت إيران إلى أن تجره إلى ظلام خرافاتها الطائفية.
أن تعلن السعودية بلسان أميرها الشاب عن انتسابها إلى العصر الحديث بكل قيمه ومعاييره الإنسانية فذلك معناه أنها تطوي صفحة الإسلام السياسي إلى الأبد. وهو ما يمكن أن يشكل نوعا من العصف بالمشروع الإيراني القائم على أساس لغو طائفي، لن يكون له محل في أي حوار مستقبلي.
لقد أنهى محمد بن سلمان عصرا ليبدأ عصرا جديدا.
لم يعدْ الرجل في أن تكون المملكة بلادا أخرى، بل هي صارت كذلك في وقت قياسي لم يكن يتوقعه أحد.
السعودية هي اليوم دولة أخرى غير تلك الدولة التي سعت إيران إلى الزج بها في صراع ديني. وهو ما يعني أنها قد حسمت الأمور لصالحها من غير التغاضي عما يشكله التخلف الإيراني من خطر ستكون دائما مستعدة للتصدي له بطرق وأساليب غير تقليدية.