الحامدي .. النبأ الأليم

د. سعيد الجريري

رجل أمن يحب الشعر ، هكذا هي صورة اللواء الحامدي مدير أمن حضرموت الأسبق، كما استقرت في ذاكرتي منذ أول لقاء جمعني به، وكان الشعر ثالثنا. ليس شعر البطولات الأجوف بل ما يشاغف الوجدان الفردي والجمعي إنسانياً. ثم ظل كلما صادفني في مكان ما في أثناء إدارته وبعدها، لا يفتأ يتحدث عن الشعر ليتخفف به، ربما، من ضغط العمل ومسؤولياته.

ليست تلك صورته في الذاكرة فقط، بل كان له في نفسي ما يتفرد به من مواقف يخنس كثيرون عن اتخاذها، و ما أنسَ لا أنسى يوماً، كنت فيه ضحية استقواء، كغيري من مواطني حضرموت في الحقبة العفاشية، وكان من حسن حظي أن الحامدي صديقي وجواله متاح للاتصال. الحكاية درامية، وقد أدونها لاحقاً، لكني أشير هنا إلى موقفه المحترم.

كنت في طور بناء منزلي الشخصي - الذي مازال واقفاً يكالح الشمس والريح لكن بلاسقف ولا تشطيب - وكان موظفو "العشوائي" يبتزون المواطنين بين الحين والآخر بدعاوى مختلفة. أوقف جنود النقطة الأمنية(!!) العمال بدعوى أن الأوراق غير مكتملة، وعبثوا بأدوات البناء ومواده بطريقة همجية. مررت بعد الدوام لأعاين ما أُنجز ، فأخبرني أحد الجيران، بأن الجنود أوقفوا العمل، ابتزازاً، فتداعت شياطين الحق على رأسي، فاتجهت إلى النقطة سائلاً عن قائدها، فتحدث إليّ أحد أفرادها من طرف خشمه، كأنني ارتكبت جريمة، فحافظت على هدوئي المعتاد، رغم ما يغتلي في الصدر ، من قهر وغضب. ثم ما لبث أن أقبل القائد بسيارته فبادرته بحدة: ما شأنكم بمن يبني أو يشطب بيته؟ ليس من مهامكم هذا! فرد من طرف خشمه أيضاً: أنت تبني بأوراق غير مكتملة، ومدير العشوائي منسق معنا، ولن نسمح لك. عندئذ أدرت ظهري لئلا أخرج عن طوري، وسألته: ما اسمك؟ ارتبك، ثم ذكر اسمه، فقلت له: شكراً. ثم غادرت المكان، بعد أن خطر في بالي أن أشكوه إلى مدير الأمن الذي يحب الشعر العميد - حينئذ - أحمد الحامدي. رد على المكالمة مباشرة، فأخبرته بما حدث بنبرة تشتعل غضباً، متسائلاً: حضرموت بلادنا أم بلاد هؤلاء؟ (وبالمناسبة، كان أفراد النقطة جميعاً من خارج حضرموت، ومن محافظة (شمالية) واحدة، ومدير العشوائي المبتز الشهير من هناك أيضاً وله أعوان من "غشَر" حضرموت).
هدأني - رحمه الله - حتى استعدت ضحكتي، وقال حرفياً: "والله لأطير (أبوهم)، ولن تجدهم هناك غداً"، وقد فعل.

رحمات واسعات، على رجل أمن مأسوف على رحيله الآن.


مقالات الكاتب