أنور الحوثري من غرابة الامبريالية إلى غربة الدار

من غرابة "الامبريالية" إلى غربة الآن الاضطرارية يمضي المسار بالفنان المبدع انور سعيد الحوثري الذي لم يكن يعلم وهو يتغنى في ميعة الصبا - في السبعينات - بأغنية "ياشعلة البين قل احتيالي" أنه سيكتوي بنارها يوماً، كما هو اليوم، والبين يضنيه في مغتربه الاضطراري "الكويت".

أنور الحوثري AL Huthary Anwer ليس فناناً عادياً. إنه شعلة إبداع متعدد، يتوازن فيه الذاتي والموضوعي، ولعله لذلك أبدع نماذج من أغانٍ وألحان مميزة أضافت بصمات جديدة دالة عليه وحده.
أذكر أنه أشار في مداخلة قبل سنوات في ذكرى رحيل الشاعر المعلم حميدان إلى أغنيتين أداهما صبياً، على مسرح ساحة الحصن بالديس الشرقية، فلفتت إشارته انتباهي وأنعشت ذاكرتي:

"ياشعلة البين قل احتيالي" و "يا ثورة ردفان"

(... وأذكر أن كلمة "الامبريالية" الغريبة - وهي من معجم تلك المرحلة - كانت قافية أحد أبيات الأنشودة، ولم نكن نعي ما الامبريالية، حينئذ، لكنها كانت متجاورة، متصادية، مع الشعبية، والقومية، والرجعية...).

وكان أنور - بحق - صوتاً واعداً، أذكى التوقعات بأن يكون له مستقبل فني. وأذكر أنه بالاتساق مع حماسية الأغنية الثانية رفع البندقية بيد واحدة رغم بنيته الرفيعة حينئذ وطراوة عظمه.
ومضت عقود من الزمن، وتقلبت بالبلاد مراحل، لم ينسَ خلالها ما انبث في أعماقه من حماسة الصبا وأحلامه، فكان في طليعة من قدموا للثورة السلمية الجنوبية من الأغاني ما ألهب حماسة الشعب ووحّده على هدف واحد من المهرة شرقاً إلى ميون غرباً، منها:
"ثورة شعبنا منصورة" ، "نحرر أرضنا وإلا هلا بالموت"، "منصورة ياجنوب" ، "أوبريت شارع الموت"، وغيرها كثير ، فضلاً عن أوبريتات وأعمال فنية مميزة في حضرموت، عليها بصمته الخاصة نصوصاً وألحاناً وأداءً، وما ينماز به من وعي وخبرة بالتراث والإيقاعات.

... مازالت بندقية الإبداع مرفوعة بيدك الرفيعة - أخي أنور - أنت الرقيق المرهف الإحساس الذي لم يُخلق للرصاص أصلاً، ومازال إبداعك يبحث عن شعلة وفاء، تنسيك لفح شعلة البين وقلة الاحتيال، كما قال سيدنا المعلم حميدان، الذي أنت امتداد جميل له ولصنوه الفني الملحن المبدع سالم سعيد جبران، فهما النبع الأول الذي نهلت منه، ثم كان لنبعك مجراه الخاص.