مازالوا يسرقون النصر

ياسر الأعسم

* ليلة 27 رمضان، قبل ست سنوات ارتفع صوت الشيخ (السديس) إمام الحرم المكي الشريف، وخلفه الكثير من المسلمين، بالدعاء لعدن وأهلها، وتهجدوا لنصرتها، و في صباحها كبرت مأذننا فرحاً و سجدنا لله حمداً و شكراً على تحريرها.
* مازلنا نتذكر كيف جروا مؤخراتهم، وتركونا لمصيرنا، فلعنهم كل بيت في الجنوب، واقسمنا على مقاومة غزوا جحافلهم، وأنهم لن يمروا إلا على جثثنا.

* عندما كانت عدن محاصرة، والقذائف تدك البيوت على رؤوس أهلها، و يصرعنا رصاص قناصيهم ولم يرحموا رجلاً أو إمرأة، شيخاً أو شاباً أو طفلاً، وحين رمى البحر أجسادنا وترملت نساؤنا وتيتم صغارنا، ونزحت المدينة وتشرد سكانها، وحين باعت حرائرنا ذهبهن لأجل رصاصة و بندقية، وحين كان أشرف رجالنا وأنبل شبابنا في الجبهات حافية أقدامهم وهم يبتسمون للشهادة، وحين أدهشت بسالتنا العالم وصنعنا بصمودنا أسطورة ، حينها كانت شرعيتهم تتسول في الفنادق، وتسأل سموهم كرامتها، وكانت أسماؤهم في كشوفات لجنة الملك، وتتزاحم طوابيرهم على صرفته، وتتورم كروشهم و خدودهم من الكبسة.

* لم يصدمنا تفحيطهم، فقد تعودنا على خيانة مواقفهم، ولكن أكثر مايشعرنا بالقهر ، أننا عندما انتصرنا سمحنا لهم أن يمتطوا تضحياتنا، ويعودوا كالفاتحين، فلم يكتفوا بسرقة نصرنا، ولكنهم عاقبونا عليه، فزاد يقيننا بأن مقاومتنا ونصرنا لم يكن في حسابات حربهم ولعبتهم!.

* عادت الشرعية فذهب معظم المقاتلين إلى بيوتهم، بينما كثيرون لم يشهدوا جبهة أو تلفح حرارة الشمس جبينهم أو تمسهم (زربة)، وجدناهم بعد المعركة قادة وسلطة، وصنعت بطولاتهم الزفة و الصرفة، و (تعامسنا) ولم نقللهم اوف، واخترنا ألا نجرح وجه نصرنا و فرحتنا، وعلنا نتعلم من دروسنا.

* رودنا أمل بحياة كريمة، وأن يكون النصر بداية لملمة تمزقنا، ولكنهم لم يطمئنوا لمقاوتنا أو يحترموا دمائنا، فكان الأبد من خوض معركة كسر عظم أخرى، فالذين أكرمنا عودتهم أرادوا لنا الموت و المذلة!.

* برغم معاناة الحرب والحصار والدمار، كنا في ذروة اخلاقنا، فقد أخرجت المحنة أنبل ما فينا، وكانت عدن والجنوب كله بيت واحد، والعسكري، والطبيب، والمهندس، والقاضي، والمحامي، والمعلم، والتلميذ، والقلم، والتاجر، والعامل، والعاطل، وأمهاتنا وحريمنا، وعجائزنا، وأطفالنا، وحتى البلطجي، كلنا كنا مقاومة جنوبية، ونحن اليوم أكثر حاجة لهذه الأخلاق، ونستعيد لحمتنا حتى لا يستمروا بسرقة نصرنا.

* نتذكر شيخ شهدائنا علي ناصر هادي الذي لفض آخر أنفاسه، ولم يترك مترسه و بندقه، و علي الصمدي، و امزربة، والعسل، والزغلي، و فواز باشراحيل، والخويل، وفارس الضالعي، والعنبوري، وقبلهم جياب السعدي، وخالد الجنيدي، وبعدهم الادريسي، والراوي، وجعفر و أبى اليمامة، وسكره، و الشوبجي وأبنائه، ونعوش ألاف الشهداء، ونزيف جرحانا وأجسادنا المبتورة، فنستحي من مواقفنا و انانيتنا، فجميعهم استرخصوا أرواحهم في سبيل الجنوب و قضيته، وليس من أجل رمز أو منطقة أو حزب أو جماعة.

* نستحق الفخر، واستعادة جنوبنا حق وليس حسنة، فالمواقف العظيمة لا يصنعها الجبناء، يموت الشجعان وقوفاً كالجبال ، بينما يتمخض جبل بعضهم ويلد فار!.
-


مقالات الكاتب