الوفد التركي في ليبيا.. زيارة غير معلنة أشعلت الغضب وفضحت تناقض أردوغان
قوبلت زيارة أجراها وفد تركي إلى طرابلس، غضبًا حادًا على كافة الأصعدة، في الداخل اللليبي، بعد اعتبارها انتهاكًا للسيادة من قِبل أنقرة التي زرعت مليشيات تابعة لها هناك.
فمن دون إعلان مسبق، حطّت طائرة وزير الدفاع خلوصي أكار على رأس وفد تركي، في مطار معيتيقة يوم الجمعة الماضي، في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً.
وأفادت مصادر ملاحية مطلعة بأن سلطات المطار لم تكن على علم برحلة الوزير التركي الذي جاء عبر رحلة مجهولة قادما من صقلية، علمًا بأن وسائل إعلام تركية كانت قد أوضحت أن "أكار" كان قد أجرى مباحثات قبل زيارته إلى ليبيا، مع نظيريه البريطاني والإيطالي في الجزيرة الأيطالية، شملت بحث العلاقات العسكرية والأمنية وكذا ملفات إقليمية ودولية، بينها الملف الليبي، والوضع في شرقي المتوسط.
يأتي هذا فيما أوضحت المصادر أن الجنود الأتراك فقط كانوا على علم بزيارة آكار وطلبوا من الحراس الليبيين في قاعدة معيتيقة ألا يتواجدوا بمكان هبوط الطائرة.
وأشارت المصادر إلى أن وزير الدفاع ورئيس المخابرات التركيين توجها فور وصولهما لمقر قيادة القوات التركية المتمركزة غرب قاعدة معيتيقة الجوية بطرابلس، وأن أكار عقد اجتماعًا مع الضباط الأتراك في مقر قيادتهم فور وصوله دون حضور أي مسؤول ليبي.
تركيًّا، كشفت وسائل إعلام رسمية أن الوفد ضم إلى جانب أكار أيضًا، وزيري الخارجية مولود جاويش أوغلو والداخلية سليمان صويلو ورئيس هيئة الأركان يشار جولر ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية فخر الدين ألطون ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن.
الزيارة أثارت غضبًا ليبيًّا رسميًّا، عبّر عنه الناطق باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري، الذي وصف دخول وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، إلى طرابلس دون تنسيق مع الدولة الليبية، بالانتهاك لسيادة الدولة، متسائلا "أين المجتمع الدولي من هذا الانتهاك؟".
وأضاف المسماري أن الجيش الليبي يقاتل من أجل السلام ومتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها ليختار الليبيون من يحكمهم، وندد بما يقوله "الإخوان والمعادون للجيش الليبي" عن رغبة الأخير بعسكرة الدولة، قائلًا - في مؤتمر صحفي: "من يطالب دون توقف برفض عسكرة الدولة ماذا قال عن دخول وزير الدفاع التركي إلى البلاد دون التنسيق مع الدولة؟".
وتساءل المتحدث العسكري: "أين المجلس الرئاسي وحكومة الستة أشهر، أين مؤسسات المجتمع المدني، والنشطاء السياسيون من هذا الإجراء التركي التعسفي؟!".
وأشار إلى أن زيارة أكار دون تنسيق "جريمة ما بعدها جريمة"، وفق وصفه، مشيرًا إلى إخراج جميع الليبيين من قاعدة معيتيقة لتسيطر عليها القوات التركية سيطرة كاملة، ومن ثم يدخل وزير دفاع التركي، معقبًا: "دخل ليضرب الباب بحذائه العفن غصباً عن كل ليبي موجود في القاعدة، ويعقد اجتماعاته على أعلى المستويات مع الضباط الأتراك.. من كان مع آكار في الطائرة؟ هل كان معه أحد قادة تنظيم القاعدة؟ وهل كان معه سلاح محرم دولياً؟".
زيارة أكار جاءت بعد يوم واحد من الكشف عن إرسال طائرات الشحن العسكري إلى قاعدة الوطية الجوية، التي تسيطر عليها تركيا في غرب ليبيا.
فبحسب موقع "فلايت رادار" السويدي، المتخصص في رصد حركة الطيران، فإنّ طائرة شحن عسكرية تركية من طراز "إيرباص إيه 400 إم - 180" هبطت في قاعدة الوطية، بعد أن انطلقت يوم الأربعاء الماضي من قاعدة عسكرية في أنقرة، مشيرًا إلى أن تركيا لم توقف الجسر الجوي مع قواعدها في غرب ليبيا عبر طائرات الشحن العسكرية.
وتركيا تسيطر على قاعدتي "الوطية" الجوية، و"مصراتة" البحرية، كما أرسلت نحو 20 ألفاً من المرتزقة السوريين من الفصائل المسلحة المتشددة الموالية لها في شمال سوريا، أعيد أغلبهم بعد انتهاء عقودهم عقب توقيع اتفاق إطلاق النار في ليبيا.
ولا يزال هناك سبعة آلاف تتمسك تركيا ببقائهم، بدعوى حماية وجودها العسكري في البلاد، وذلك على الرغم من المطالب المتصاعدة من جانب الأمم المتحدة والحكومة الليبية بإنهاء الوجود الأجنبي هناك.
وتضمنت تصريحات الوزير التركي خلال الزيارة حديثًا مستفزًا، إذ جدد موقف بلاده الرافض لسحب قواتها من ليبيا، رغم صدور دعوات دولية تحث المرتزقة على الخروج من أجل إفساح المجال أمام المضي قدما في التسوية.
وقال خلوصي أكار، إن "قواته في البلاد ليست بالأجنبية لأنها دخلت بناء عما وصفها بـ"الاتفاقيات الثنائية"، وزعم أن قوات بلاده دخلت إلى ليبيا في إطار مقتضيات القانون الدولي في محاولة لإضفاء الشرعية على تدخل أنقرة في النزاع الليبي، وفق إدعائه.
زيارة الوفد التركي تسببت أيضًا في اندلاع عراك بالأيدي ومشادات كلامية بين أعضاء بمجلس النواب الليبي خلال جلسته أمس الاثنين في مدينة طبرق التي تقرر تعليقها إلى اليوم الثلاثاء، بعدما أخفق مجددًا في حسم مصير ميزانية حكومة الوحدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
من جانبه، اعتبر النائب مصباح دومة عن مدينة سبها زيارة الوفد التركي إهانة لليبيين، وقال محتجًا: «إذا كان أكار في زيارة خاصة فلم يكن هناك ما يستدعي التصوير، لكنه حضر وصور، وهذه إهانة". يجب استدعاء المجلس الرئاسي الذي يعد نفسه القائد الأعلى للجيش الليبي للمسائلة".
وفيما حاول النائب عبد الوهاب زوليه إسكاته بل ورفض انتقاد تركيا، رد دومة محتدًا: "نحن الليبيين جاهدنا الأتراك منذ عام 1825، وليس اليوم، وإذا كان في القاعة أتراكاً فليرحلوا، هذه قاعة ليبيين".
وبتعليمات من رئيس المجلس عقيلة صالح، قطع بث الجلسة بعدما تدخل بعض النواب لفض الاشتباك دون جدوى بين زملائهم الرافضين للوجود التركي والآخرين المحسوبين على تنظيم الإخوان المؤيدين له.
وقال المتحدث باسم المجلس عبد الله ابليحق، في بيان، إن جلسة مجلس النواب لهذا اليوم علقت وتعقد يوم الثلاثاء، مشيرًا إلى أن مشاجرة بين النائب مصباح دومة والنائب عبد الوهاب زوليه خلال الجلسة التي نقلت على الهواء مباشرة حول مناقشة الميزانية العامة للدولة والمناصب السيادية، تسببت في إرجاء الجلسة.
على صعيد ردود الأفعال أيضًا، كشفت مصادر داخل المجلس الرئاسي الليبي أن حالة من الخلاف اندلعت بين بين أعضاء المجلس حين رفض بعضهم الطريقة التي تمت بها الزيارة، في حين وافق عليها آخرون منتمون لتيارات موالية لأنقرة، ونفس الحال جرى داخل حكومة الوحدة الوطنية.
وقالت المصادر إن الوفد التركي وزَّع - بشكل فج - على الحكومة الليبية والمجلس الرئاسي جدول الزيارة واللقاءات، وشدد على تنفيذها.
وأشارت المصادر إلى أن المنتمين للتيارات الإسلامية وأنقرة دخلوا في صدام مع الأعضاء الرافضين لهذا الانتهاك للسيادة الليبية، وبخاصة أن تنظيم الإخوان في ليبيا كان على علم بالزيارة، ونسّقها مع الجانب التركي.
زيارة الوفد التركي جاءت قبل أيام من مؤتمر دولي تستضيفه ألمانيا حول ليبيا بعنوان مؤتمر برلين 2" وذلك في 23 يونيو الجاري؛ بهدف تقييم التقدم المحرز في تهدئة الأوضاع في ليبيا منذ مؤتمر برلين الأول، والخطوات المنتظرة من أجل تحقيق الاستقرار المستدام في ليبيا، خاصة الاستعدادات للانتخابات، وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة على النحو المتفق عليه في وقف إطلاق النار، كما سيبحث خطوات توحيد قوات الأمن الليبية.
استنادًا إلى ذلك، فقد تحدث خبراء عن أن أنقرة تحاول توجيه رسالة للغرب بأنها ليست بصدد تغيير سياساتها في ليبيا، في مخاطبة صريحة لدولتي فرنسا والولايات المتحدة باعتبارهما من أكثر الدول التي تعارض هذه الممارسات التركية.
ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغام كان يتحايل دبلوماسيًّا على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما أبلغه بشأن سحب المرتزقة من ليبيا، إذ قال ماكرون إن حصل على تعهدات من الرئيس التركي في هذا الصدد.
ويرى محللون أن أردوغان يحاول منذ هذا الالتفافأ يتفادى الحرج أمام قمة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إذ عقدت قمة في بروكسيل هذا الأسبوع، صرّح ماكرون خلال مؤتمر صحفي في نهايتها: "اتفقنا على العمل على انسحاب المرتزقة الأجانب.. أستطيع أن أقول لكم إن الرئيس أردوغان أكد خلال اجتماعنا رغبته في أن يرحل المرتزقة الأجانب والمليشيا الأجنبية التي تعمل على الأراضي الليبية في أقرب وقت ممكن".