في عام زايد ننحني إجلالا لرجل الإرادة
فاروق يوسف*
سحر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لا يزال متمكنا من الجميع هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة.
لا يتعلق الأمر بالسياسة ولا بالزعامة السياسية. هناك مجتمع بأكمله يشعر بالامتنان لذلك الرجل الذي صنع مصيره، حين وضعه على طريق المستقبل التي لا رجعة فيها.
وإذا ما كان ذلك المجتمع يحتفل اليوم بعام زايد، فلأنه يعيش السنة المئة بعد ولادة الزعيم الأسطوري، في هدوء وطمأنينة وترف وراحة وسلام وشعور عميق بالنعمة.
هو عام زايد إذا. الرجل الذي لم يغادر إلا بجسده، في حين ظلت إرادته حية وشغفه بحياة كريمة، عنوانا لمسيرة عامرة بالرخاء وبالعمل المثمر.
الرجل الذي ولد قبل مئة سنة صنع معجزته التي ستظل تُذكّر به.
معجزة هي مزيج مما هو مادي وما هو روحي. فالإمارات ليست فقط أبراجها الشاهقة ولا أسواقها العامرة ولا شوارعها الفارهة ولا حدائقها الغناء ولا سواحلها الأنيقة ولا إيقاعها المعماري الذي يذكّر بأكثر المدن العالمية انفتاحا وتطورا، بل هي الروح التي تحلق بمواطنيها في اتجاه آفاق من التسامح والسلام والخلق والتجدد وطلب المعاصرة.
زايد الذي هو رمز بناء الدولة، هو في الوقت نفسه عنوان للتحديث والمعاصرة. والدليل على ذلك أن مرحلة ما بعد زايد لم تبدأ بعد.
لا يزال مشروع زايد التنويري ممكنا حتى هذه اللحظة. فكم كان عظيما ذلك الرجل الذي احتكم إلى نزاهة فطرته في بناء مجتمع ودولة معا.
هو باني الدولة. هذا صحيح. ولكنه سر نعمتها. وهو أمر من الصعب تفسيره ما لم ينظر المرء في عيون الإماراتيين ليرى صورة زايد شاخصة هناك.
إنه الأب والرقيب والمهذب والمعلم والصديق والناصح والحكيم.
قبل الدولة ومؤسساتها. قبل الأبراج والجسور والشوارع والمطارات والموانئ. قبل الأسواق والفنادق والمنتجعات، بنى زايد مجتمعا قادرا على استحضار إرادته الوطنية بكل ما تنطوي عليه تلك الإرادة من صفات نبيلة وكريمة ونزيهة.
لذلك فإن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يسكن عقول الإماراتيين وقلوبهم، بالرغم من أن هناك جيلا من الشباب لم تتح له فرصة رؤيته حيا، غير أن ذلك الجيل صار بحكم التجربة الإماراتية يعرف جيدا أن حياة زعيم عظيم مثل زايد لا يمكن أن تُختصر بين قوسين.
لا يزال قوس ولادة زايد مفتوحا.
فالرجل لا يزال حيا بأفكاره وأحلامه ومشروعه من أجل بناء حياة كريمة لا للمواطن وحده، بل وأيضا لضيوفه من الوافدين من مختلف أنحاء العالم بلغاتهم وأديانهم وأزيائهم ومطابخهم.
لقد ابتكر زايد دولة فريدة من نوعها. تلك الدولة هي عنوان للعدالة الاجتماعية بما يجعلها تقف جنبا إلى جنب إلى جوار دول الرفاهية الاجتماعية مثل السويد والنرويج والدنمارك إذا لم تكن تتقدم عليها.
أرسى زايد قيما أخلاقية صارت بمثابة عناصر تتشكل منها شخصية الإماراتي، قائدا كان أم مواطنا عاديا.
فالتواضع العزيز والكريم مثلا هو سمة يتميز بها الإماراتيون، بغض النظر عن تباين عناوينهم الوظيفية وانتماءاتهم القبلية وممتلكاتهم وأرصدتهم المصرفية وتحصيلهم العلمي.
المدهش والمحير في الوقت نفسه أن ذلك التواضع يخفي تحته قدرا عظيما من الحصافة والرهافة والقوة ومعرفة النفس والحدس والتشخيص الدقيق واحترام الآخر. عوامل كان من شأنها أن تبعد مرض الاستعراض عن مجتمع الإمارات، وهو المرض الذي غالبا ما تصاب به المجتمعات الثرية والقوية والمترفة.
وحين تسأل عن سر ذلك التواضع يُقال لك “إنه الدرس الأول من دروس المعلم الخالد زايد”.
يستحق عام زايد أن لا ينحصر الاحتفال به بالإماراتيين وحدهم، بل أن يحتفل به العرب كلهم. فالرجل هو الابن الأصيل للتقاليد والأعراف والأخلاق العربية الممتدة إلى عمق الصحراء، والتي حين فقدنا التمسك بها فقدنا أمورا كثيرة كانت توحد مصائرنا.
من خلال عام زايد تنحني الإمارات وننحني معها إجلالا لرجل الإرادة.