مقاطعة الانتخابات الإيرانية.. تهديد لسلطة الملالي
مع الساعات الأولى لانطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لم تفلح عبارات الاستعطاف أو التهديد التي أطلقتها السلطة الحاكمة في تحشيد المواطنين أمام اللجان التي ظهرت خاوية بسبب المقاطعة.
الانتخابات تقام في أجواء متوترة وأوضاع مضطربة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
كما أن العملية الانتخابية على مشهدها المحدود للغاية فيما يخص نسبة المشاركة، لم تخل من الانتهاكات، إذ تم الإبلاغ عن ثلاثة آلاف شكوى وانتهاك في الساعات الأولى للاقتراع حسبما أعلنت الجهات المشرفة على العملية الانتخابية.
ورصدت المعارضة الإيرانية الكثير من اللجان الانتخابية وهي خاوية من الناخبين، الذين فضّلوا العزوف عن المشاركة في مشهد لا ديمقراطي يعتبرونه محسومًا بتدخلات السلطة الدينية المهيمنة على المشهد.
ونشرت وسائل إعلام مختلفة لقطات تظهر اللجان خاوية، بينها لجنة ساحة 17 "نارمك" بالمدرسة الابتدائية "رجايي" بمدينة طهران، لجنة شارع مصدق نحو كاشاني بمدينة أصفهان. المشهد لم يختلف كثيرًا في مدينة تايباد بمحافظة خراسان.
وتبين من فحص أربعة مراكز اقتراع، كانت تحت حراسة بالكاميرات والقوات أنه لم يشارك في عملية التصويت غير 11 شخصًا.
وفي محافظة كردستان حدث عزوف كبير من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، وعُرضت لقطات من مدينة ملارد، أظهرت مقاطعة كبيرة للعملية الانتخابية من قبل المواطنين الذين أشادت بهم المعارضة، واعتبرتهم أسقطوا شرعية السلطة الدينية الحاكمة.
وفي مدينة كرمسار، فشوهدت الدوائر ومراكز الاقتراع وهي خاوية، وقالت تقارير تليفزيونية إن الدائرة الانتخابية في الساحة المسماة خميني بوسط المدينة، اجتمع جميع آمري قوات الحرس وكانوا يتحدثون مع بعضهم البعض في الدائرة، وكانوا مرتبكين وغاضبين، بسبب خلو اللجان من الناخبين.
أحاديث المعارضة ورصدها العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات جاءت لتنسف روايات السلطة الدينية الحاكمة التي روجت أن السباق الانتخابي يشهد إقبالا كبيرًا من قِبل المواطنين، وذلك على عكس الحقيقة.
وزعمت وسائل إعلام تابعة للنظام الحاكم في إيران، بأن أكثر من سبعة ملايين ناخب شاركوا في الساعات الأولى للانتخابات، إلا أن متحدث مجلس صيانة الدستور لم يؤكد هذه المزاعم، واكتفى بالقول إنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول معدل أوراق الاقتراع التي استخدمت حتى الآن.
وبعدما اعتمدت في الأيام الماضية على خطابات تهديد، لجأت السلطة الدينية اليوم إلى محاولة استعطاف الناخبين من أجل التوجه للإدلاء بأصواتهم، وقد استجداهم المرشد الإيراني علي خامنئي بصوته في الانتخابات الرئاسية قائلا: "تعالوا وشاركوا واختاروا رئيسكم.. هذا أمر مهم لمستقبل بلدكم".
وفي محاولة للحشد أيضًا، دعا الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني للمشاركة في الانتخابات رغم الانتقادات، وطالب الإيرانيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع ولو على مضض، وبرر ذلك بالقول إن المقاطعة لن تحل المشكلة.
وتستميت السلطة الإيرانية من أجل إجراء عملية انتخابية يحتشد إليها الناخبون، في محاولة للترويج بأن لها حاضنة شعبية على الأرض، وبالتالي إعطاء السباق الانتخابي قدرًا من الشرعية، وهو أمرٌ لم يكن مجديًّا في مواجهة المقاطعة الشعبية الموسعة.
وأصدرت السلطة الدينية الكثير من الفتاوى من أجل إجبار الناخبين على المشاركة في الانتخابات وعدم إبطال أصواتهم، حيث زعم خامئني بأن وضع ورقة بيضاء في صناديق الانتخابات حرام شرعًا، وذلك في محاولة لترهيب الناخبين وإجبارهم على المشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم من أجل تكوين شرعية للسلطة الحاكمة.
وقبل بدء عملية التصويت، أُطلقت على مدار الفترات الماضية، حملات مقاطعة واسعة النطاق، لاقت قبولًا شعبيًّا بفعل حجم الغضب من تدهور الحالة الاقتصادية وانتشار الفساد وتزايد عمليات القمع ضد معارضي السلطة الدينية.
ويرى كثير من الإيرانيين أن مجرد مشاركتهم في انتخابات الرئاسة ستضفي شرعية على انتخابات غير حرة وغير عادلة كما يصفونها، كما أن عدم التصويت يشكل وسيلة للاحتجاج على النظام بأكمله.
ولعل أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت نحو مقاطعة الانتخابات هو الاقتصاد الإيراني المتدهور، والسبب في ذلك ليس فقط العقوبات المفروضة على طهران بقدر ما يرتبط الأمر بسوء إدارة الدولة وفساد النخبة الحاكمة.
كما أن السلطة الدينية أشهرت سلاح القمع الفتاك خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما مع اندلاع احتجاجات مناهضة للنظام كتلك التي وقعت في نوفمبر 2019، وارتكبت خلالها أجهزة الأمن الإيرانية اعتداءات بشعة ضد المحتجين، وقتلت منهم ما لا يقل 1500 مدني.
ويتخوف الإيرانيون من تزايد نفوذ الحرس الثوري، باعتباره الفصيل الأكثر ولاء لنظام خامنئي، بما يعني أنه سيكون حاضرًا في كافة مؤسسات الدولة.