خديعة النزوح.. أكذوبة الشرعية التي احتلت بها الجنوب
"إذا أردت علاج عرض ما فيجب تشخيصه وتوصيفه أولًا بشكل صحيح ثم تبدأ المواجهة".. يبدو أنّ هذا الأمر لا يقتصر فقط على وضع صحي أو مرضي، بل يلائم كثيرًا ما يشهده الجنوب في مناطق عديدة، من أعباء مُثقلة عليه بشكل عمدي.
الحديث عن تجمعات بشرية كثيفة منتشرة في أرجاء عديدة في عدن، يسمونها - على غير الدقة - نازحين، وقد أثقلوا كاهل العاصمة بالكثير من التحديات والأعباء، وهم ليسوا بنازحين.
تزعم الشرعية الإخوانية إن هذه التجمعات البشرية عبارة عن نازحين، وتدعي أنهم قد ضاقت بهم السبل في الشمال وأُجبروا على الهروب من مناطقهم.
لكن في المقابل، فقد أثبت الواقع المعاصر مدى كذب وتحايل الشرعية في هذا الإطار وعلى أكثر من سبيل، فالنازح مصطلح يُطلق على من يغادر منطقته من جرّاء مواجهات عسكرية ملتهبة ومحتدة، وينزح للإقامة في معسكرات أغلبها تكون على أطراف المدن، ويكون العيش فيها داخل خيام أشبه بحياة الصحراء.
هذا التوصيف لا يتطابق مع الشماليين الذين توافدوا إلى عدن، فالعاصمة باتت شاهدة على تجمعات بشرية، قدموا من منطلق وتحت رغبة هجرة اقتصادية، قوامها الرئيسي وغايتها الأولى والأخيرة استغلال موارد الجنوب.
يُستدل على ذلك، أن هذه العناصر الشمالية تحضر إلى الجنوب، وتشتري مساكن أو قطع أراضي، في أحياء مختلفة من عدن، وهو ما يختلف كلية عن التوصيف الحقيقي لمصطلح نازح، وهو ما يصبغ أيضًا صبغة استيطانية على تمدّد وانتشار هذه العناصر الشمالية.
ما يبرهن على ذلك، أن جبهات الشمال تشهد موتًا سريريًّا بعدما أقدمت مليشيا الشرعية على تعطيل المواجهات العسكرية مع المليشيات الحوثية، بما يعني أن هذه العناصر الملتحقة بالجنوب تحت مسمى النزوح، لم تهرب من مناطق مستعرة عسكريًّا وملتهبة ميدانيًّا.
يُثار سؤالٌ هنا، عن الدافع الذي يقود الشرعية للزج بهذه التجمعات البشرية صوب الجنوب، وهنا يبدو الجواب واضحًا إذ تحاول الشرعية بشتى السبل العمل على إحداث تغيير ديمغرافي؛ سعيًّا للنيل من الهوية الجنوبية.
مخاطر هذه الهجرة الاستيطانية كبيرة، فالمجتمع الجنوبي الذي يعاني في الأساس من تردٍ فظيع في الخدمات من جرّاء نهب الموارد والسطو عليها من قِبل الشرعية، لن تتحمل مرافقه وقطاعاته الخدمية ضغطًا تُشكله عليها هذه التجمعات البشرية.
كما أن هذه التجمعات المنتشرة في قلب العاصمة عدن، تُلحق بداخلها أعداد كبيرة من عناصر التنظيمات الإرهابية، والتي يسهل دخولها بمساعدة النقاط العسكرية التابعة لمليشيا الشرعية الإخوانية، والتي تعمل على نقل هذه العناصر للمناطق الحيوية للجنوب، لتظل تشكل عامل خطر وتهديدًا وجوديًّا لأمن الجنوب واستقراره.
لا يقتصر الأمر على العاصمة عدن فقط، فمحافظة لحج شكّلت وجهة لقدوم هذه العناصر إليها، وفق المخطط الاستيطاني نفسه، وهو الأمر الذي أحدث عبئًا ضخمًا على منظومة الخدمات التي يحتاجها المواطنون هناك.
وفي الحقيقة، فإن العاصمة عدن مثّلت وجهة تاريخية لقدوم الشماليين منذ القرن الماضي، وقد سطا الكثيرون منهم على وظائف كان يفترض أن يشغلها الجنوبيون، وذلك في قطاعات عمل عديدة مثل الزراعة والبترول.
هذه الظاهرة القديمة – المتجددة أحدثت الكثير من الأزمات التي يعاني منها الجنوب وفي القلب منه العاصمة عدن، وذلك على كافة الأصعدة، ظهور العشوائية وسوء الخدمات وتفاقم ظاهرة البطالة وزيادة معدلات الجريمة واحتداد معدلات الفقر، هذا فضلًا عن حالة الاستقطاب السياسي.