المهاجرون إلى الشمس .. تجنبًا للكوارث وبحثًا عن بدائل تقرير
تتلاحق الأزمات التي تمر بها البلاد، ملقية بظلالها على حياة المواطن، الذي يكابد تدهورًا كبيرًا في الخدمات الأساسية، يصل إلى حد الانعدام؛ لتُصاب حيوية يومياته بشلل شبه تام، ما أضطره إلى البحث عن بدائل؛ فقطاع الكهرباء يواجه منذ 2012 صعوبات وتحديات عديدة، أدت بمجملها إلى انقطاعات طويلة ومتكررة للكهرباء في بعض المناطق، وغياب كلي في أخرى؛ ليستعين المواطن في بداية الأمر بمولد كهربائي يعمل بالطاقة التقليدية؛ للتخفيف من المعاناة، وفي أحسن الأحوال توفر التيار الكهربائي ساعات قليلة ومعدودة طوال اليوم.
إن عدم وجود استراتيجية حكومية لحل مشكلات قطاع الكهرباء، وعدم استمرارية توفير الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية، ومحاولات المواطنين التكيف مع الوضع الاستثنائي على هامش حرب مستعرة منذ ما يقارب ثلاث سنوات، فسر الحاجة المُلحة إلى طاقة متجددة ومستمرة؛ فكانت هجرة الكثيرين بشكل عشوائي وغير منتظم إلى الحصول عليها من الشمس، لا سيما وأن استخدام الطاقة الشمسية بات أمر مصيري وذو أهمية بالغة كمصدر من مصادر الطاقة؛ ولكن.. هل يدرك المهاجرون إلى الشمس بأنهم يسهمون في حماية أنفسهم والتقليل من الأضرار البيئية؟ وهل لديهم الوعي الكافي بالطرق السليمة للاستفادة من الطاقة الشمسية؟
مآسي كهرباء الطاقة التقليدية في ذاكرة عدن
في محافظة عدن تتكشف تجربة المواطنين مع استخدام المولدات الكهربائية والاعتماد على الطاقة التقليدية، بالبحث عن أخبار ذات علاقة في أرشيفات المواقع الإخبارية والصحف المحلية اليومية؛ لتتضح أنها مثقلة بالحوادث المأساوية، نجمت عنها خسائر مادية وبشرية، ولعل أعمقها علامة في الذاكرة الجمعية لأهالي عدن، عن تضرر 16 أسرة في شارع النوح - مديرية البريقة من الأدخنة السوداء السامة - التي تحوي نسبة لا يستهان بها من غاز أول أكسد الكربون، والناتجة من تشغيل مولد كهربائي لهوائي تقوية البث التابع لشركة اتصالات محلية - دولية، ثًبت على سفح بناية تقطنها أغلب الأسر المتضررة، مؤكدين أن منهم تعرض لأمراض خبيثة، حيث أصيبت شابة عشرينية بـِ "السرطان"، ناهيك عن الإزعاج الذي يصدره المولد الكبير.
في الطرف الآخر من المدينة وتحديدًا في حي العيدروس – مديرية صيرة، سادت حالة من الحزن العميق بين سكان الحي؛ للحادث الأليم الذي أودى بحياة صياد وزوجته، بعد زفافهما في إحدى ليالي الخميس، استعانا بمولد كهربائي؛ لينسيا الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وحرارة صيف ما فوق الـ 40 مئوية؛ ليلقيا حتفهما اختناقًا بالدخان المنبعث من عادم المولد أثناء نومهما، ومن وقت إلى آخر تهز انفجارات عنيفة أحياء سكنية في مختلف المديريات، نتيجة احتراق مادة الديزل في خزانات وقود المولدات، مخلفةً حالة من الذعر في أوساط الأهالي، وأحيانًا دون ورود معلومات عن خسائر، وعدم تحريك السلطات المحلية ساكنًا في ملف الكهرباء.
يتسم استغلال الطاقة المتجددة "الشمسية" لتوفير الطاقة الكهربائية بخصائص عدة في إطار الحفاظ على سلامة البيئة، وبشكل خاص في المناطق الريفية والنائية، حيث لجئ كثير من المزارعين إلى شركات المضخات الشمسية في الآونة الأخير، وفي هذا السياق أوضح مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في ورقة السياسات حول "استخدامات الطاقة الشمسية ومستقبلها في اليمن"، أن الوعي المتزايد لدى المواطنين بأهمية الطاقة الشمسية وترشيد استخدامها، يمثل أحد أهم فرص الحكومة للتحول نحو تبني خطط وبرامج تقود إلى استخدام مصادر الطاقة النظيفة المتاحة بدلًا من تلك التقليدية، التي تكلف الدولة مبالغ باهظة.
شهد مجال الطاقة الشمسية في اليمن مساعٍ حثيثة للمواطن والقطاع الخاص ومحاولات فاشلة للحكومة، حيث أوردت ورقة السياسات المذكورة آنفًا بعض التقديرات في هذا الصدد، مشيرةً إلى أن 300 ميجا وات من المنظومات الشمسية الكهروضوئية تم تركيبها خلال عاميّ 2015 – 2017، في مناطق ريفية وحضرية؛ إلا أن أول مبادرة حقيقة للحكومة في الاتجاه الصحيح، كانت من خلال مشروع "تشجيع نشر استخدامات تكنولوجيا الطاقة الشمسية"، الذي قدمته وزارة الصناعة والتجارة عام 2014، ولكنه تعثر، وفي كل الأحوال فإن لاستخدام الطاقة الشمسية في اليمن مردودات اقتصادية ضخمة للعملة الصعبة من خلال توفير ما مقدراه 675 ألف طن من الوقود التقليدي، بقيمة تعادل 600 مليون دولار في كل جيجا وات من الطاقة الكهربائية.
تعتمد الطاقة الشمسيّة على الاستغلال المباشر لأشعَّة الشمس، وبما أن اليمن إحدى مناطق العالم التي تحظى بمستويات عالية من الإشعاع الشمسي، بمتوسط 5.2 – 6.8 كيلو وات/متر مربع في اليوم؛ فإن هذا الحقل الحيوي واعد فيها مستقبلًا، وبالإمكان في الناحيتين التقنية والاقتصادية انتاج الطاقة الكهربائية عن طريق الخلايا الكهروضوئية؛ ما يمثل تشجيعًا للاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة في الفترة 2009 – 2025، الهادفة إلى إدخال مزيج من مصادر الطاقة في المنظومة الكهربائية؛ لتوليد 200 ميجا وات بالطاقة الشمسية، قمن شأن استغلال وتطوير الطاقة المتجددة إيجاد حلول مناسبة واقتصادية لسد الاحتياجات للطاقة الكهربائية.