هدنة من المتعة !
محمد العولقي
* يحرص السياسيون على تخريب الأوطان، وتفكيك حلقات المجتمعات لدوافع هي خليط من شهوة الانتقام، ومزيج من مصالح حزبية ضيقة، يصدِّرون الفواجع إلى بيوتنا يوميا، ثم يدعون أنهم حماة الوطن (على خراطيييين)..
* وابتداء من يوم الخميس، سيخفت الاهتمام بالسياسة وتداعياتها، وستبور تجارة السياسيين لشهر كامل، وسيقل عدد المهمومين بشعاراتها، وستتوقف آلات الحروب في العالم، فعندما تطل بطولة كأس العالم مرة كل أربع سنوات تسكت السياسة، وتنحني الحروب الباردة والساخنة أمام البطولة العالمية التي تشد إليها الرحال..
* شهر كامل من المتعة الكروية لن يتحرك فيها السياسيون قيد أنملة للترويج لشعاراتهم الدموية، ستنشغل الفضائيات العربية والعالمية بالحكايات الطازجة القادمة من (روسيا)، لن يجد السياسيون موطئ قدم في الفضائيات لممارسة الكذب والدجل والافتراء..
* وليت السياسيين العرب يكفون عن الأذية في شهر المونديال، وهم الذين لم يقيموا وزنا للأشهر الحُرُم، ويحذون حذو الرئيس الفرنسي الشاب (ماكرون)، الذي سيباشر عمله بدء من يوم الخميس ببدلة المنتخب الفرنسي عوضا عن البدلة الرسمية التي تعود عليها..
* في وسع السياسيين العرب مساندة المنتخبات العربية المشاركة في المونديال (مصر والمغرب والسعودية وتونس).. أعتقد أن الولاء يمكن تقسيمه على الأربعة دون أن يكون في ذلك خيانة للعيش والملح، واسألوا الفنان (محمد عبدالوهاب) الذي غنى (وطني حبيبي الوطن الأكبر)..
* في شهر (المونديال) سيفسح مجلس الأمن الطريق لكرة القدم لتُصْلِح علاقات أفسدها (عطار) السياسة.. فتسجيل هدف كفيل بتوحيد القلوب وتخليصها من الغل والكراهية والعنصرية المقيتة، ومراوغة لاعب ستستدعي انطلاق آهات الإعجاب من حلوق الأصدقاء والأعداء في آن معا..
* وخير فعل الرئيس الأمريكي (ترامب)، عندما أجل خطاباته السياسية الملتهبة إلى ما بعد (المونديال)، هذا لأنه يعلم مثلما يعلم بقية رؤساء الدول العظمى أن الذي سيحكم العالم خلال شهر المونديال هم: ميسي ورونالدو وغريزمان وأوزيل ونيمار ومحمد صلاح، فهم من سيستأثرون بالأضواء، وهم من سيحيلون الملفات السياسية المتنازع عليها إلى أرشيف التجميد..
* سيعيش العالم بمختلف قاراته (هدنة) كروية يستوجب أن يتخلى فيها فرقاء السياسة عن السلاح، وعن فكرة اللعب بالنار.. فماء (المونديال) سيطفئ نيران السياسة، سيضع المتحاربون حول العالم أسلحتهم ويتجمعون حول شاشات الفضاء الرقمي بحثا عن كارت يفك شفرة القنوات المالكة للبطولة الكبيرة..
* في أيام المونديال، على مدرس الجغرافيا أن يصدق تلاميذه عندما يؤكدون له في الامتحان أن الذي أثبت أن الأرض كروية هم لاعبو كرة القدم، في مقدمتهم ميسي ورونالدو، وليس جاليو جاليلي..
* عندما يدخل (المونديال) بيوتنا نشعر بمساواة حقيقية بين الأغنياء والفقراء، لا تمييز عنصري يمنع هتافا موحدا لهدف ذكي ملعوب يدفع الفرقاء للعناق بمشاعر صادقة فياضة ليست مصطنعة..
* إن الانقلاب الذي يحدثه (المونديال) خلال شهر يكشف عن أكذوبة مجلس الأمن والأمم المتحدة.. ماذا لو تم إلغاء تلك المنظمتين الفاشلتين واستبدالهما بهيئة أممية في كرة القدم..؟
في تصوري لو حدث هذا ستنتهي الحروب، وتفنى أسلحة الدمار الشامل، وتختفي طائرات الموت المسيرة في السماء، فعندما يشتعل نزاع سياسي بين دولتين يكفي أن تنضم الهيئة مباراة في كرة القدم بين الدولتين، وتنتهي المشكلة بتبادل الفانلات بين اللاعبين، ويمكن حل الخلافات العالقة بزيارة من ميسي أو رونالدو أو نيمار دون الحاجة لاجتماعات وجع القلب والدماغ..
* تخيلوا هيئة سياسية تصلح ذات البين تضم في عضويتها بيليه ومارادونا وزيدان وبيكنباور وبلاتيني وأنييستا، ثم ماذا لو أن ليونيل ميسي ترشح أمام ترامب أو ميركل أو ديفيد كاميرون لرئاسة العالم، ترى هل يصمد أحدهم أمام شعبية ميسي..؟
* ويا من تتاجرون بدماء الأبرياء وترسلون لنا أسلحتكم الذكية والغبية لتحصد الملايين من الضحايا، دعونا نعيش شهر المونديال في سلام، بعيدا عن فوضاكم غير الخلاقة وألعابكم الدراكولية القاتلة..!
*نقلاً عن "الأيام"