الذكرى السادسة لرحيل فقيد الإعلام والصحافة الحرة / هشام باشراحيل

عصام خليدي

مـتـعــدد وافــر الـخصال والـشمائل الـمحتشد فـي رونـق شـخصك الـواحـد المتجلي في إسـمك هـشـام بـاشـراحـيل، رجـل مـن سـلالـة الـرعـيل الصـحفي (الـذهبي) بـالـمـعـنى الـتاريـخي والـقيـمي لـلـتوصيف ، مـخلص لقضايا ومـعـاناة بـسطاء النـاس يـدافع عــنهم ويـحق ( حقوقهم ) ، حـتى تـخالـه إنـمـا خُـلـق ليـشقى ويـنعم بـالـنـضال فـي سـبـيل (نصرة المظلومين ).
لقد كـُتب (بضم الكاف) عن الفقيد الكبير بسـجاياه ووطـنيته وطـيـبـته وتضحياته وتواضعه وإيثاره .. هشام باشراحيل كما كتب عن سائر أمثاله مـن الـناس الـرموز النـخـبة / الـهـيام والـــموت حباً في الوطــن وبـالـتالي ( تبــوأ مقامات المعاناة النبيلة والسامية )، يـتمـتع الـفـقـيد بحساسية مـهنـية وإنـسانـية شـديـدة الـرهافة ومـن آيـاتها تـفتـح وعــيه الصحفي الـشريف الحـر والـنزيه .. كـان رحـمه الله يـتمتــــع (بــكاريــزمــا) خـاصة جـداً ، تتـــقـدُ عــيناه بـبريق وذكـاء وفــير، ولـديه مزيج من عناصر قـوة الشخصية القادرة على التأثـير والإقناع ، شجاعة ، جسارة ، حكمة ، وإقـــدام على إتخاد المواقـف الصعـبة فـــي الأوقــات الحرجة، نــباهـة وفــطنة وحـــسن تــصرف ، كـان ( للكاريزما البــاشراحيــــلية )- إن جــــاز التعــبـــير الأثـر البـــالغ في مكــوناته ( الجينية ) فتـبـلور كـل ذلـك بصورة جـلـيلة في تعزيز وتقوية دور ومكانة (صحيفة الأيام) وذاع صيتها مـدوياً في محراب بلاط صـاحبة الـجلالة .
كان فقيدنا منازلاً ضارياً عنـوداً لأكـثر التحديات شـراسـة وأبلغ الــتعـقـيدات ضراوة .. لم يجبن أو يخشى في الله لومة لائم ، رجلاً خُــلق وجُـبل عـلى إمـتطاء صـهوة الأنــواء والخطوب الجسام والمواقـف الصعبة ، بل ويـمكنني القول أنه أستطاع أن يجمع بدواخلـه (رجالاً). عرفـتـه منـذ فـترة تـــجاوزت ( 26عاماً) قدمــــني إليــه المناضل والأديـب القـامة السياسية السامقة / عـمر الجاوي وتوطـدت علاقـتي بـه حـتى وفـاه الأجـل ..
عـرفـته مـنـتـصراً ومـرجعاً وأبـاً رؤوفاً عطوفاً حنوناً ورباناً مـحـنكـاً (قــاد) سـفـيـنة صحيفة الأيام بـمـعيـة شـقـيـقـه الأعز ( تمام ) في أصعب وأحلك وأدق الظروف والمراحل والـــمنعطفات الـــسياسية الــتي مرت بها البــــلـد مــــنذ إعــــادة إصـــدار ( الصحيفة الباشراحيلية) ،
صـوت الحــقــيـقة والمـصداقـية والـشـفافـية مـن أجـل (نصرة) حـقوق وهـموم وقضايا ( الإنسان المغيبة المهدرة ) ..
نـعـم لـقـد دفـع الثمـن باهـظاً غـالياً ومـكـلفاً مـن صحـته وحـياته الـتي وهـبها عـن طيب خاطر وقـناعة قـرباناً وفـداءاً لـترسيخ مـداميك حـرية وحقوق وكرامة الإنسان ، جـسـدها بشموخ وكبرياء ورفـعـة في أنصع وأبهى تجـلـيـاتها في ( التشبث ) بالـقـيم والـمبادئ والأخلاقيات تـلـك المعايــير المهنية التي تخللت مشواره الصحفي ، الأسلـحة الفـتاكة الضـاربة التي أزعجـت وأقـضت مـضاجع الجـبناء والخونة الـرعـاديـد حلفاء الشـيطان تجار الـحروب مـصاصي دمـاء الـشعب الـمنكوب الـمسحوق والـمغلوب على أمـره الـمقـيم تحت الـوصاية الـجبرية والـقسرية (المــكبل بعـقوبات الإبـــادة الجماعية) .. المســــتغيث الصـــارخ المصطلي المـــشوي والمحروق بــنيران جــــحيم إنقــــطاع الــــتيار الكهـــربائي ( القاتل والمميت ) بسبب إرتفاع وشــدة درجـة حرارة لهـيب الصيف القائـظ في (عـدن) وعدم توفير الـمياه وأبسط وسـائل ومتطلبات سـبل العــيش بما يــكفل تــلبـية الإحــتياجات الأدمــية الــضرورية و الهامة لــديمومة وإســتمرارية الــحياة .. تــصوروا فــي (عصر العولمة والفضاء الكونـي المفـتوح والإنترنت) تـتساقط قـوافـل (شـــهــــداء الــــكـــهـــربـاء) من المصابين بأمراض ضغط الدم والسكري والفشل الكلوي وكبار السن في (عــدن) مدينة العلم والمعرفة الريادة والتنويروالفن..
(يُـعـاقــب) الأهالي والسكان ويحرمـون مـــن (راحــة النــوم والسكينة والأمــان والطـمأنيــنة والإستــقــرار).. ولاحـيـاة لــمن تـــنادي..؟!!
ستظل مواقف ومبادئ ومهنية وحرفية ربان الصحافة العدنية والعربية / هــشام باشراحيل وشــقيــقه وأبــنائه الــكرام (النموذج – الإسثتناء) ..
الذين تــصدوا وقاوموا النظام السياسي القبلي العسكري الهمجي القمعي المتخلف (بأحرف من ضياء ونور)، وفي ذات اللحظة كـانت تضحياتهم ونضالاتهم المـؤشر الواضـح والصـريح الراصد والموثـــق فــي ضــمـير وذاكـرة الـوطن بالـكـلـمة والــــصوت والــــــــصورة (وإنتصار الحق) والـخـزي والـعـار لـدعاة الفتنة والدمار والحروب والإقتــتال الــذين لفظتهم صفحات التاريخ أصحاب الدرك الأسفل المتغطرسين المتجبرين من أراقوا دماء الشهداء وأزهقوا النفوس والأرواح الطاهرة والبريـئة العابثين الناهبين المغتصبين لثرواث وخيرات ومقدرات الجنوب الثائر الصامد والأبي .
كان صوت صحيفة (الأيام) مزمجراً هادراً مهيباً ومجلجلاً إلى عنان السماء، برغم المكايدات والمؤامرات والدسائـس التي أحــيكت ضدها للنـيـل من رجالها وشيوخها وأبنائها الأبطال الذين لم يرضخوا و يستكينوا ويستسلموا للباطل والقهر والإذلال والعبودية، فرساناً أشهروا أقلامهم في وجوه الطغات المجرمين المستبدين الفاسدين .
أنقضت (6) أعوام منذ أن فارقنا فـقـيد الوطن المناضل الجسور / هشام باشراحيل في تاريخ 16 / يونيو /2012 م - ( افـتـقـدنـاه ) وفي اللـــيلـة الظـلمــاء يفـتـقـد الـبـدر..
ما أصعب صباحاتنا وأمسياتنا في ظل احتياجنا إليه بعد رحيله مؤازراً ومعيناً مسانداً ومنتصراً لما نتجرع من عذابات ويلات ومرارة وقسوة المعاناة اليومية الطاحنة وفداحة الكورارث والمصائب الأخلاقية والسلوكية وتردي الأحوال الإقتصادية والمعيشية وغياب الأمن والأمان وإنعدام الشفافية والمصداقية .. برغم تـعـدد المنابر الإعلامية وتلاوين الخطابات والشعارات التي لاتصب لخدمة ومصلحة قضايا الجماهير الغفيرة .. تصوروا سكان وأهالي مدينة عدن يسبحون في ظلام قاتم دامس منذ سنوات ولم تستطع الحكومات المتعاقبة القيام بما يستحق الذكر .. ؟!
أننا نحذر ونتوجه برسالة ( اسـتغـاثـة ) الى كل القائمين على أحوال وشؤون (مدينة عدن) وما يمارس ضد ناسها وأهلها من تعذيب وتنكيل أدى إلى حالة تــذمـر وغضب و إحباط عارم أوصل الشارع العدني الى حالة (غـلـيان) سيؤدي حتماً الى (ثورة الكهرباء).. اللهم إني بلغت اللهم فأشهد.
الغائب الحاضر هشام باشراحيل عن ماذا أحدثك من أخبار بعد رحيلك وتضحياتك وبطولاتك بما لايسر خاطرك .. هل أبلغك أننا رغم المناشدات - والإستجداءات - والوعود وحتى كتابة هذه السطور نطالب بالإفراج الفوري عن رفـيـق دربك الرجل الشهم والوفي البطــل والحارس الأمــين ( أحمد عمر العبادي المرقشي) الذي لم يزل يقبع في ظلمات غياهب سجون الإحتلال والطغاة يتطلع الى لحظة الإنعتاق والحرية من زنزانة السلطات المتغطرسة المتجبرة والأنظمة السياسية السابقة واللاحقة ..
أعلم يقيناً أن ما حدث ويحدث لن يرضيك وأنت الواهب حياته قرباناً وفداءاً لنصرة قدسية وسمو عدالة حقوق المظلمومين والبسطاء.
نم قرير الــعين فــقيد الوطن المبجل والجليل (أبا باشا) فـمن على شاكــلتك (صناع الحياة) يسكــنون ويقيمون بين تلابيب القلوب والأفـئدة ويستوطنون في ذاكــرة وضمائر شعوبهم خالدين على مر الأزمنة والعصور.
ولا يــسعني في نــهاية المطــاف إلا التــذكير بما قــالــه المنــاضل والأديــب والتربوي والشاعر والفنان والرسام لطفي جعفر أمان في نماذج مختارة من قصيدته الشهيرة

( لي الموت..ولكم الخلود )

يا إخوتي .. / يا كل ما اتركه بعد الرحيل / هذي حروفي .. لن تموت .. لن تموت مستحيل .! / لأنها أنتم .. تواكب الزمان .. لم تزل / توزع الغلال للأجيال جيل بعــد جــيل / وتفرش الطريــق بالأمل / وتزرع النجوم في ليل السراة التائهين / وتصنع السطور جسراً للحيارى المتعبين / لأن أيامي التي حرثتها .. / وماحصدت في مــواسم السنين/ لــكــم .. لــكـم يــا إخوتي .. / على مناكب الشموس صاعـدين .! / يا شمعتي اليتيمة التي ترفُ في الضلوع / في رعشة من إنطفاء / مازال حرفي نابضاً .. يفيض بالضياء / ويشعل المرافئ القريبة الرجاء / لإخوتي في كبرياء / فاحتضري .. / وشيعي بقـيتي الى الفــناء / فــإن أيــامــي عــلى أرضـي لم تذهب هـباء / وإن إخواني لهم في أرضهم فرض البقاء .!


مقالات الكاتب