أمي والذاكرة النسوية المنسية
د . قاسم المحبشي
في التراث الشعبي كنوز من الحكمة المنسية في ليل التاريخ وذاكرة النسيان الذكورية، إذ قلما سنحت الفرصة لصوت المرأة في التعبير عن خلجات النوع الاجتماعي الا بطرق واساليب شديدة التمويه والرمزية.
الليلة أدهشتني أمي الحبيبية رقية بنت الشيخ بن علي محسن المحبشي بتذكرها هذه الخواطر الشعرية الشعبية المتناثرة بلسان امرأة أسطورية اسمها فياحه.
أمي أطال الله بعمرها وأحسن خاتمتها وقد تجاوزت التسعين تمتلك ذاكرة مرهفة الحس والحضور المثير للدهشة والعجب إذ كل مرة تكشف لي عن كنوز تراثية جديدة لم اسمعها ابدا من قبل ولا من أي مصدر أخر ولا منها هي بالذات وهذا ما يزيد دهشي واستغرابي. الليلة فقط وقبل ساعة من الآن استمعت الى أمي عبر الايمو فإذا بها تفاجئني بمقطوعة تراثية عربية أصيلة فريدة من نوعها في الأدب الشفاهي النسوي.
وأتمنى من الزملاء والزميلات المتخصصين في الأدب الشعبي العربي والثقافة الشفاهية ايلاءها ما تستحقه من الدرس والتحليل النقدي العلمي.
واليكم المأثورة الشعبية النسوية، كما وردت على لسان أمي الحانية الليلة:
(( قالت فياحه* بالعمل عباده
رزق الفتى والجيد في زناده
قالت فياحه من كذب ازاده
والسيف ما يقطع بلا حداده
قالت فياحه ليتني جراده
أشوف ذي قلبي به الارادة
عز الفتى بأهله وفِي بلاده
والي بعد محروم من رقاده
قالت فياحه باسبح سباحه
بعد الشُلخ* ما عاد ذقت راحه
جودة ثمار الطين بالفلاحه
ومن طرحها جادسة* نجاحه
شمَّر أمير النوب في جناحه
وجف رحيق النحل في جباحه
قلبي حلف ما يأكل الملفلف*
زرع الطرف* ذي لا ظمي تعطف
قالت فياحه بي ضبح وعاثق*
من كلمة الكذاب والمنافق
ليس الرجالة زهلقة* بنادق
رجّال من خيره عليه سابق
ما حد يشرح دبيته* لسارق
ولا الغنم والبوش كلب والغ
ظبي الخلا ما يستعف لجازع
ولا يصدق مدح بالمشادق*
ياساكن القمة على الشواهق
قل للقمر يرئف بقلب عاشق
الحر ثوبه من حرير نافق*
ما يلبس البالي ولا المشامق*
فوق الجبل عشي بساس واثق
نحن سنام القوم بالشوافع))
#تفسير للكلمات المبهمة:
#فياحه أسم امرأه مختلقة.
#الشلُخ بمعنى الدلع ورغد العيش.
#جادسة بمعنى مهملة بلا حرث.
#الملفلف بمعنى باقي العلف.
#زرع الطرف؛ نبات الرمل والحصى.
#عاثق بمعنى طفشان ومختنق.
#زهلقة بمعنى الزينة والمظهر .
#دبيته بمعنى وعاء اللبن.
#المشادق بمعنى الكلام الفارغ.
#نافق بمعنى غالي الثمن.
#المشامق بمعنى الأسمال المهلهلة.
مساء ٢٨ يونيو ٢٠١٨م عدن الشيخ عثمان