حتى لا يخدع الجنوبيون للمرة الخامسة(5)
د. عيدروس النقيب
حينما دعا الأشقاء في قيادة مجلس التعاون لدول الخليج العربي لما أسموه بـ"مؤتمر مشاورات الرياض اليمنية-اليمنية" كان واضحاً أن الهدف من المشاورات هو البحث عن حل لأزمة ثنائية "الشرعية-الانقلاب"، وإنهاء الحرب ومحاولة إرساء سلام قابل للاستدامة بعد أن خيب القائمون على "الشرعية" اليمينة كل الرهانات التي عُلِّقَت عليهم في هزيمة المشروع الانقلابي.
ولم تكن مصادفةً أن يتزامن افتتاح أعمال مؤتمر المشاورات مع إعلان الهدنة بين دول التحالف وجماعة الحوثي وما ترتب عليها من مكاسب حققها الطرف الحوثي الذي رفض المشاركة في أعمال المؤتمر وبالمقابل لم يقدم أي تنازل مقابل تلك المكاسب التي ما يزال يجني ثمارها حتى اللحظة
وهكذا وقبل الاسترسال في الحديث عن مشاورات الرياض نشير إلى أن المشكلة اليمنية لها وجوه وزوايا متعدد غالباً ما تَغِيبُ أو تُغَيَّبُ عمداً عند البحث عن حلول لهذه الأزمة، ويجري التركيز على حل مشكلة النزاع بين الشرعية والحوثيين، دون صناعة ضمانات مستقبلية لخلق حالة من السلام الدائم والاستقرار والتنمية لزمن أطول مثلما في كل بلدان العالم.
فبمجرد إلقاء نظرة على التشكيلة التي جاء بها المجلس الرئاسي يتبين لنا أن الأشقاء يحاولون لملمة صفوف من لا تتلملم صفوفهم، حيث اللوحة الراهنة تبين أن ما جرى من تشكيلة للمجلس الرئاسي لا يختلف عن التوليفة التي تمت في العام 2012م بموجب المبادرة الخليجية، حينما اعتقد الأشقاء المبادرون أن جمع النقائض في وعاء واحد سيلغي التناقض بينما جرى العكس حيث حاول كل من هذه النقائض الاستئثار بالكعكة كاملة فكانت النتيجة ما جرى في العام 2014- وما يزال مستمرا حتى اليوم.
ومع كل التقدير لكل الجهود الطيبة والنوايا الحسنة للأشقاء في مجلس التعاون الخليجي فإن المحصلة التي أرادوها والمخرجات التي خططوا لها ثم أعلنوا عنها بنهاية المشاورات، لم تخرج عن محاولة لم شمل أطراف أجنداتها مختلفة ومتناقضة، وهذا ما يجعل إمكانية نجاح المخرجات موضوعا يخضع لعدة افتراضات متباينة ومتناقضة ومن بينها افتراض الفشل والإخفاق.
ما يهمنا هنا هو ما يتعلق بالقضية الجنوبية، فعندما وجهت الدعوة من قبل الأشقاء لعقد مشاورات الرياض كنت قد كتبت مطالبا المجلس الانتقالي الجنوبي ثم مؤيدا لقراره المشاركة في هذه المشاورات، واقترحت على الزملاء في قيادة المجلس أن يعدوا رؤيتهم لما ينبغي أن تتوقف عنده المشاورات بشأن القضية الجنوبية، وأن تشمل الرؤية تلخيصاً لما يعرفه القاصي والداني عن مطالب الشعب الجنوبي، وبالمقابل تصور الجنوبيين لحل المشكلة الشمالية، وكيفية استعادة أو بناء دولة شمالية قابلة للديمومة والسلام والتنمية، فمن مصلحة الشعبين وجود دولتين جارتين مستقرتين، وليس من مصلحتنا كجنوبيين استمرار الحرب في أراضي الشمال أو تفرد طرف وحيد دون سواه بالحكم سواء بحجة الوصاية الإلهية السلالية الزائفة أو تحت ما يسمى دولة الخلافة الإسلامية الراشدة، أو حتى تفرد حزب واحد وحيد بالحكم تحت أي مبرر، وبطبيعة الحال ما ينطبق على الشمال ينطبق على الجنوب، مع فارق أنه لا يوجد في الجنوب من يدعي أنهُ وريث رسول الله أو أنه وريث لدولة الخلفاء الراشدين.
هل يمكن أن تغدو نتائج مشاورات الرياض فخاً جديدا للجنوب وتطلعات شعب الجنوب، أو أن تصنع بيئةً جديدةً لخديعة خامسة ضد الجنوب والجنوبيين وقضيتهم العادلة؟
ذلك ما سنتوقف عنده في حلقة قادمة.
والله ولي الهداية والتوفيق