جندي مجهول يفتك بحياة المئات من اليمنيين تقرير

الخميس 12 يوليو 2018 18:45:00
testus -US
معاذ الحيدري :

لم يكن أحمد ابن الخامسة عشر ربيعا يعلم أن عودته إلى منزله في حي الجحملية بمحافظة تعز رفقة أسرته ستفقده إحدى ساقيه، وأنه سيصبح ضمن قائمة الضحايا الذين طالتهم الحرب على طول خارطة الوطن كما يقول والده الذي شاهد بأم عينيه، كيف بتر لغم، خلفه مسلحو جماعة الحوثي في حي الجحملية قبل خروجهم منها؟، ساق ولده، وهم في طريق العودة إلى منزلهم. ويتابع الأب “إنها لحظات صعبة، لم أصدق ما حدث مع ابني”
ويؤكد التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان “تحالف رصد” أن محافظة تعز تصدرت قائمة المحافظات اليمنية من حيث الخسائر والأضرار البشرية التي خلفتها ألغام مسلحو جماعة الحوثي، إذ قتل 213 قتيلا وجرح 287 شخصا غالبيتهم من المدنيين، تلتها حسب الترتيب محافظات (لحج، عدن، مأرب، البيضاء، الجوف، أبين، وشبوة) خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 وحتى مارس/آذار 2018.
وتعد المناطق الأكثر تضررا من كل أشكال وأنواع الألغام التي اكتشفها الفريق الهندسي في محافظة تعز هي “ثعبات شرقي المدينة، وحي الجحملية، وحارة قريش، وحي الزهراء، وحي بازرعه، وحول القصر الجمهوري، وما حول معسكر الأمن المركزي، والحارات المتاخمة لهذا المعسكر، والصياحي، ومنطقة الصلو، ونافع، وميلات”، بما في ذلك المدارس، الأمر الذي يهدد الطلاب، بحسب تأكيد العميد الركن مهندس طاهر حميد رئيس شعبة الهندسة في محور تعز، في حديثه لـ “المشاهد”، مشيرا إلى أن الألغام الموجودة تهدد العائدين إلى منازلهم في المناطق المحررة، لأنها ملغمة بأخطر أنواع الألغام وهي الاشراك الخداعية والعبوات الناسفة التي قد تؤدي إلى تدمير البيت نهائيا.

انتهاكات مستمرة
ويقول الناشط الحقوقي، توفيق الحميدي في حديثه لـ “المشاهد”: “الانتهاكات الخاصة بالألغام في اليمن تشكل قلق كبير على المستوي الداخلي والخارجي، فقد رصدت المنظمات الحقوقية تزايد مخيف لضحايا الالغام وخاصة من الاطفال والنساء، ويتصدر مسلحو جماعة الحوثي مشهد الانتهاكات الخاصة بالألغام، وتعد الجهة الوحيدة في اليمن المتهمة بهذه الانتهاكات، وتأتي خطورة الألغام مع تحولها إلى استراتيجية ممنهجه وثابتة في الحرب الدائرة، يستخدمها مسلحو جماعة الحوثي، لإعاقة تقدم القوات الحكومية، أو للانتقام من الحاضنة الشعبية التي تساند هذه القوات”.
وتزرع الألغام بدون أي خرائط واضحة تحدد أماكن زراعتها، إذ أصبحت كل الأماكن تقريبا عرضة لزراعة الألغام بما في ذلك الطرقات والبيوت والمزارع والمراعي ما يفسر العدد الكبير والمزايد من الضحايا، بحسب الحميدي.
وسجل تحالف رصد 639 حالة قتل و704 حالة إصابة بين أوساط المدنيين والعسكريين جراء انفجار الألغام الأرضية التي زرعها مسلحو جماعة الحوثي في مناطق متفرقة من اليمن خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 وحتى مارس/آذار 2018.
وبلغ عدد ضحايا الألغام من المدنيين خلال الفترة المحددة 540 قتيلا بينهم 95 طفلا و39 امرأة إضافة إلى 466 مصابا، بينهم 124 أطفال 33 امرأة، في حين لم يتجاوز عدد الضحايا العسكريين 104 قتيلا بينهم طفلين مجندين و244 جريحا.
وتشير الأرقام والاحصائيات الموثقة لدى فريق “تحالف رصد” بأن 318من الجرحى والمصابين بينهم 33 طفلا و13امرأة بترت كل أو بعض أطرافهم جراء انفجار الألغام وصاروا يعانوا من اعاقات دائمة بينما فقد 16 أخرين بينهم 7 أطفال البصر نتيجة إصابتهم بشظايا ألغام في العينيين.
ويعاني 297 جريحا ومصابا أخرين جراء انفجار الألغام الأرضية من تشوهات جسدية معظمها في الوجه والأطراف العلوية والسفلية بينهم 77 طفلا و15 امرأة وفقا للتقرير ذاته.
وعلى الصعيد الزمني، فإن العام 2016 شهد النسبة الأعلى بواقع 443 حالة قتل وإصابة، تلاه العام 2015 بواقع 385 حالة قتل وإصابة، ثم العام 2017 بعدد 376 حالة قتل وإصابة جراء الألغام الفردية والمضادة للدروع، رصدها فريق “تحالف رصد” في 17 محافظة يمنية.
ومع توسع رقعة المواجهات في الساحل الغربي، تؤكد الأحداث والوقائع على الأرض بأن الألغام ستنال من أبناء تهامة في الوقت الحاضر كثيرا، وتفيد المعلومات الميدانية الواردة من الساحل بأن جميع المناطق التي تشهد معارك، صارت مزروعة بالألغام.

وتعتبر الألغام والقذائف غير المنفجرة إحدى أبشع مخلفات الحرب، إنها حرب رديفة تزرع الرعب وتصطاد أرواح الأبرياء، وأبشع ما فيها أن أدواتها مخفية في باطن الأرض ولا يمكن رؤيتها وتفاديها.

ويقول العميد طاهر “سيعاني اليمنيين من مخلفات الحرب الدائرة في بلادهم لعقود قادمة، والمعاناة لن تطال المواطنين الذين قد يصابون بانفجار مفاجئ لمخلفات الحرب هذه، إنما ستطال البيئة أيضا، فالذخائر لدى انفجارها تخلف بقايا كيميائية تسبب تلوثا للأرض والماء والهواء، لأن معركة الألغام تبدأ بعد انتهاء المعركة”.
ويضيف أن “الكلفة اللازمة لإزالة مخلفات الحرب هذه لا يمكن احتسابها، بسبب انتشارها في كل مكان وإلقائها والأمر لن يقتصر على إزالة الألغام المزروعة في الأرض فقط بل على كم كبير من الأسلحة ومخلفاتها”.
وبحسب الناشط الحقوقي الحميدي، فأن المعركة مع الألغام معركة دائمة ومستمرة، فاللغم جندي لا يتوقف عن القتل ولو توقفت الحرب ومازال اليمنيين يعانون من ألغام الحروب الوسطي إلى اليوم. وبرغم توقيع اليمن على اتفاقية اوتاوا الخاصة بتحريم الألغام، إلا أن المجتمع الدولي اكتشف أن الحكومة اليمنية السابقة في عهد صالح لم تكن صادقه في التزاماتها نحو شعبها ونحو والمجتمع الدولي.
وحول مسلحو جماعة الحوثي الألغام إلى صناعة محلية وأشكال فتية مموه زادت من نسبة الإصابات بنسبة كبيرة جدا خاصة بين الأطفال والنساء في كلا من محافظات تعز والبيضاء لحج والضالع بحسب الحميدي، مشيرا إلى أن التخلص من هذه الآفة يقتضي الضغط على جماعة الحوثي بتوفير خرائط الألغام المزروعة وتقديم دعم المجتمع الدولي للحكومة اليمنية ماليا وفنيا للتخلص من الألغام، ويجب وضع استراتيجية واضحة وواقعية وصادقه من قبل الحكومة اليمنية للتخلص من الألغام.