عن الكونغرس العالمي للإعلام
هاني مسهور
هذه لحظة فارقة للصحافة تستحق التأمل فيها بكثير من الاهتمام، لما تتضمنه من عمق التحول والانتقال إلى استخدامات التقنيات المستجدة، فلم تعد الصحافة مجرد خبر يصاغ وحتى خبر يتم تحليله وللقراءة في مضامينه، بل بات شيئاً آخر مع دخول الذكاء الاصطناعي والبدء في دخول الروبرتات لتحل محل المذيع للنشرات الإخبارية، فهذه تقنية لم تعد مجرد فكرة حالمة، بل هي حقيقة تتسلل للصحافة تتطلب الخطوة التي جاء من أجلها «الكونغرس العالمي للإعلام».
تدرك العاصمة الإماراتية أبوظبي أنها تلعب دوراً ريادياً في القرن الحادي والعشرين وتعلم أن هنالك تحديات جسيمة، وهي المحفزات التي لطالما خاضتها القيادة الإماراتية باستمرار وعلى ذلك، فإن من المهم وضع المعايير لصحافة ما بعد التحول الرقمي والدخول في صحافة الذكاء الاصطناعي.
تتزاحم المنصات وتتنافس في كل ساعة على استحداث الطرق عبر التطبيقات التي طوت كل ما سبق من الصحافة الكلاسيكية وأجبرتنا غصباً، معشر القوم القادمين من تلك الصحافة، على القبول بواقعية التحولات، ولكن لابد من هذه اللحظة للتقويم أولاً ثم لرسم مسارات المستقبل للصحافة.
المعايير الصحفية وأخلاقيات المهنة على محك حقيقي غير قابل للتشكيك وغير قادر حتى على تأجيل المناقشة فيما يجب اتخاذه من قرارات يجب أن توضع وتقر بتشريعات تحمي المجتمعات من اتساع دائرة المقتحمين شغفاً وحتى تطفلاً في المجال الصحفي، هذه جزئية وإن كانت فرصة مهمة أن تطرح في مداولات الكونغرس بدورته الأولى في مهمة استثنائية من الجدارة تحويلها لقوانين وتشريعات تؤسس لما سيتحتم التعامل به في العقود التالية، والمسألة تحتاج لجدية بما طرحه المشتغلون في عالم الصحافة من كل الزوايا التي طرحت وتداولت.
«صحافة الموبايل» وغيرها من العناوين المستحدثة وإن كانت لأمثالنا تبدو غريبة، لكنها واقع، ليست في العالم العربي، بل في كل العالم، فهذا النوع من الصحافة هو الذي فرض نفسه، وهو المطلوب في تسارع العالم والتطور الإنساني وارتباطه بالتكنولوجيا، المعايير والقيم الصحفية الموضوعة للمهنة لم تعد حاضرة في صانعي المحتوى، وإن كان هشاً وضعيفاً وفاقداً لكل القيم والمبادئ التي إنْ لم تحضر، فإن هنالك خطراً من أن تنتهزها المجموعات المتطرفة دينياً وعرقياً، وهذا خطر ماثل ومتحفز دائماً، يمكن أن يتحول لوحش كاسر يدمر ويفتك بالدول والأوطان.
كيف يمكن وضع التشريعات والقوانين لضبط الصحافة؟ إنها قضية عسيرة تضع نفسها أمام الدول، وعليها أن تتحملها كما تتحمل حماية حدودها الوطنية من أي تهديد أمني، ثمة مسؤولية من ناحية أن هذا التحول المخيف يجب أن يكون أولوية قصوى في أجندات المنظمات الدولية والإقليمية، فهناك أشياء تصنع أمامنا وتحت أنظارنا وتستخدم كل ما هو متاح للوصول إلى قمة «الترند» دون اعتبارات لكل التبعات والعواقب، فلا شيء أهم من «الترند» عند الغازين الجدد لمهنة الصحافة.
صاحبة الجلالة لم تعد بذات الجلالة والمقدار، فلقد هتك ويهتك عرشها وجلالتها مع هذا الغزو القادم من منصات العالم الافتراضي لتقود الناس إلى حيث لا يعلمون، وتزرع في عقولهم ما يحبون، وحتى ما ينكرون، بينما صاحبة الجلالة تتابع وهي مشلولة اليدين وحتى مشلولة الإنكار في قلبها، ففي حلقها غصة وفي صدرها حشرجة موت يوشك أن يطفئها وينهيها تماماً.
الإماراتيون من «الكونغرس العالمي للإعلام» هم الأقدر الآن للقيام بهذه المهمة الجسيمة، فالمطلوب هو الفعل بتحويل المداولات والبحوث والقراءات لقرارات تحكم العمل الصحفي وتعيد لصاحبة الجلالة جلالتها وللصحفي مكانه الصحيح، فالأخبار المزيفة التي تنتعش فيها الشعبوية هي آفه كالمخدرات وغيرها من الآفات المدمرة، وهذا ما تسعى الإمارات لمواجهته كخطوة شجاعة في التقييم ثم التقويم.