توقعات بزيادة تدهور الليرة التركية وإحجام الصين عن التمويل
توقع خبراء اقتصاديون مزيداً من الانهيار لليرة التركية في الوقت الذي جدد فيه الرئيس رجب طيب إردوغان مناشدته للمواطنين تحويل مدخراتهم من الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والذهب إلى الليرة لرفع قيمتها، بعد تدهورها إلى أدنى مستوى على خلفية العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد وزيري العدل والداخلية التركيين.
ورأى الخبراء أن إردوغان يدرك نقاط ضعف اقتصاد بلاده المعتمد على النقد الأجنبي، في الوقت الذي لم تتضح فيه الإجراءات التي سيتخذها لمواجهة الغضب الأميركي بعد الرد بالمثل بعقوبات مماثلة بحق وزيري العدل والداخلية الأميركيين. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية بحق وزيري العدل والداخلية التركية الأربعاء الماضي، على خلفية فرض الإقامة الجبرية على القس أندرو برانسون المتهم بدعم الإرهاب والتجسس والمسجون منذ أكثر من عامين، ما أعطى ضوءاً أخضر للمستثمرين الأجانب للرحيل عن تركيا قبل تطبيق المزيد من الإجراءات الأكثر تشدداً حال عدم إطلاق سراح القس.
وزاد الإجراء الأميركي الأخير من الصعوبات التي تواجه اقتصاد تركيا المصنف ضمن الفئة «المعرضة للخطر الشديد».
وخسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة، وعانت الشركات التركية التي اعتمدت على الاقتراض بالدولار الأميركي لسداد ديونها، كما خرج التضخم عن السيطرة وارتفع إلى حدود 16% في يوليو (تموز) الماضي على أساس سنوي.
ويتوقع الخبراء أن تواجه تركيا مزيداً من العقوبات الأميركية المباشرة إذا لم تفرج عن برانسون، وأن تتبع الولايات المتحدة النهج نفسه الذي اتبعته مع روسيا بوضع كبار رجال الصناعة الداعمين لإردوغان في القائمة السوداء، وأن تستهدف العقوبات بعض ممولي المشروعات الضخمة التي وعد بها إردوغان، والتي تتكلف أكثر من 200 مليار دولار على هيئة استثمارات في المطارات والكباري وقنوات الشحن التي يعتمد عليها إردوغان لتحقيق النمو.
وذكرت وكالة «بلومبيرغ» في تقرير لها نُشر، أمس (الأحد)، أنه من المحتمل أن تعطل العقوبات صفقة نظام الدفاع الصاروخي الروسي (إس - 400)، وأن تفرض أميركا عقوبات فادحة على مصرف «خلق بنك» الحكومي، الذي كثيراً ما يقدم القروض للحكومة، والذي يقضى نائب مديره السابق عقوبة السجن في الولايات المتحدة لتورطه في انتهاك العقوبات الأميركية على إيران في الفترة ما بين 2010 و2015.
وحسب ماكس هوفمان، المدير المساعد بمركز «أميركان بروغرس» البحثي الأميركي، فإن الغرامة المتوقعة نتيجة للخروقات السابقة تقدر بمليارات الدولارات؛ ما يعني المزيد من الانهيار لليرة التركية.
وكان إردوغان قد تعهد عقب إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية في يونيو (حزيران) الماضي، بالسيطرة على السياسات المالية، لكن في ضوء العقوبات الأميركية الأخيرة؛ فإنه من المرجح «حدوث المزيد من الانهيار لليرة؛ ما يعزز من احتمالية رفع نسب الفائدة على الودائع المصرفية»، وفق جاسون توفاي، الخبير الاقتصادي بمؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» في لندن.
وتقدَّر قيمة الديون الأجنبية المستحقة على المصارف التركية نفسها بنحو 100 مليار دولار من المفترض سدادها خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ويصل سعر الليرة حالياً إلى 5 ليرات للدولار.
من جانبه، قال إردوغان إن تركيا تعتزم إصدار سندات مقوّمة باليوان للمرة الأولى؛ في خطوة لتنويع مصادر التمويل وتجاوز مطالب الأسواق الغربية. وكان برات البيراق وزير المالية والخزانة التركي، قد أعلن أن بلاده ستحصل على قروض بقيمة 3.6 مليار دولار من الصين لتطوير مشاريع البنية التحتية لقطاع الطاقة والنقل.
لكن الخبير الاقتصادي التركي مصطفى سونماز، شكك في إقدام الصين على تقديم قروض تمويلية لتركيا، في ظل ما تعانيه البلاد من مخاطر اقتصادية. وقال إنه لن يكون من السهل الحصول على أي تمويلات من الصين بينما ترفض الأسواق الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي إقراض تركيا.
وأشار سونماز إلى أن الحكومة التركية تتجه نحو السوق الصينية للاقتراض الخارجي من أجل التغلب على الصعوبات التي يواجهها الرئيس التركي في توفير تمويل ضمن خطته المعلنة لمدة 100 يوم، قائلاً إنها المرة الأولى التي نصدر فيها سندات باليوان الصيني.
وقال سونماز إن الصين، مثل أميركا والاتحاد الأوروبي، تنظر أولاً في قرار تقديم القرض إلى معدل المخاطر الاقتصادية التركية، قائلاً: «وصلت تركيا في مؤشر معدل المخاطر إلى مستوى 345 نقطة. بينما اليونان التي تواجه أزمة اقتصادية عنيفة، وصلت إلى مستوى 317 نقطة في مؤشر المخاطر؛ لذلك فإن الأسواق الصينية ستنظر إلى حالة الاقتصاد التركي المتدهور قبل تقديم التمويلات إلى تركيا. والرأي الغالب هو أن الصين لن تخاطر».
أما بالنسبة إلى دعوة إردوغان للمواطنين بتحويل أموالهم من الدولار والعملات الأجنبية إلى الليرة التركية، فرأى سونماز -في مقابلة صحافية- أنها لن تفيد في شيء، قائلاً: «هذه الدعوات لا جدوى منها. لأننا شاهدنا في السابق أنه بعد مثل هذه الدعوات لم يتراجع سعر الدولار ولو بنسبة قليلة».
وسبق أن فعل إردوغان الشيء نفسه عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 2016 ولم تُجدِ كثيراً في تعديل أسعار الصرف.
بالتوازي، قالت وزيرة التجارة التركية روحصار بكجان، إن الانفتاح على أسواق عالمية جديدة، مثل الهند وأميركا اللاتينية والصين والمكسيك وأفريقيا، سيكون من أولويات وزارتها خلال المرحلة المقبلة.
وقالت بكجان، في تصريحات، أمس (الأحد)، إن تركيا ستواصل نهضتها في قطاع التصدير، عبر استراتيجيات خاصة، إذ ستؤسس 35 مركزاً تجارياً في الأسواق العالمية الكبرى. وأضافت أن توحيد وزارتي الاقتصاد والجمارك تحت سقف واحد (وزارة التجارة)، جعل هناك إمكانية لتقديم الخدمات لجميع العاملين في قطاع التجارة، من مركز واحد قوي.
وتابعت: «رؤيتنا المستقبلية هي تقديم الخدمات لجميع العاملين في قطاع التجارة من مركز واحد، وخدماتنا ستصل إلى الجميع ابتداءً من أصغر التجّار إلى أكبر المنتجين».
وذكرت أن وزارتها ستتّبع استراتيجيات استباقية خلال المرحلة القادمة، من أجل فتح آفاق جديدة للبلاد، وزيادة إنعاش وتسريع نمو قطاع الاقتصاد.
وارتفعت الصادرات التركية في يوليو الماضي، إلى 14.1 مليار دولار، بنسبة زيادة بلغت 11.8% على أساس سنوي، وفق مجلس المصدرين الأتراك.
وقالت الوزيرة التركية إن «هدفنا هو الارتقاء إلى مستوى الدول ذات الدخل العالي، ولتحقيق هذا الهدف علينا زيادة الصادرات التكنولوجية، والسلع ذات القيمة المضافة العالية، وعلينا الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل البرمجيات والتكنولوجيا العالية، والذكاء الاصطناعي». وأشارت بكجان إلى أن بلادها ستستخدم الدبلوماسية التجارية بشكل فعّال مع الدول الأخرى.
وأكّدت أن تركيا ستُقدِم في المرحلة المقبلة على جميع الخطوات الرامية لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، ودول الجوار.
وكالات