تأملات يمنية في اتفاق العُلا
هاني مسهور
طوى اتفاق العُلا في يناير/كانون الثاني 2021 الأزمة الخليجية والعربية وفتح آفاقاً سياسية لتبريد منطقة الشرق الأوسط.
فلقد استطاعت هذه الاتفاقية أن تمد جسوراً كانت مقطوعة مع الدول الإقليمية وأدخلت المنطقة لتنافسية اقتصادية أسهمت بشكل فاعل في الاستقرار العام كما أنها مهدت لمصالحات أعادت ترتيب أولويات الدول.
ومنذ إتمام الاتفاقية، كان هناك حديث خافت بين النخب السياسية والفكرية اليمنية عن انعكاسات الاتفاقية على البلد الذي يجاور دول المنطقة ويمثل الجزء الأسفل كاملاً لشبه الجزيرة العربية.
حافظ اتفاق العُلا على نقطة أساسية وهي احترام الحق السيادي لكل دولة فيما تعتبره مهدداً لسياساتها الداخلية، هذا المدخل المهم لم يلغِ ما اعتبرته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين أنها جماعات إرهابية في تصنيفها لقوائم الجماعات المحظورة أنشطتها السياسية وغيرها في داخل هذه البلدان الأربعة.
الحق السيادي بقي حجر زاوية في مضمون الاتفاقية غير أن هناك امتداداً لجماعة الإخوان والحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش في الجمهورية اليمنية التي تعيش اختلالاً سياسياً وأمنياً من بعد ما يسمى "الربيع العربي" في 2011.
في السابع من يوليو 2017 كان المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الكيان السياسي الذي يعد طرفاً أساسياً في التحالف العربي، قد وضع الوثيقة الأساسية التي تضمنت تصنيف جماعة الإسلام السياسي المذكورة في تصنيفات قوائم دول الرباعي العربي للإرهاب (الإخوان والقاعدة وداعش والحوثي) ضمن قائمة التزم بها أمام الإقليم والشعب الذي منحه التفويض السياسي، بأنها جماعات محظورة أنشطتها السياسية في المحافظات الجنوبية المحررة.
شكلت هذه القائمة إطاراً قانونياً للمجلس الانتقالي الجنوبي لإطلاق عدة عمليات أمنية ضد العناصر التكفيرية، وملاحقة الخلايا الإرهابية بعدد من محافظات الجنوب تحت إشراف مباشر من قيادة التحالف العربي.
أثمرت العمليات الأمنية نجاحات كبيرة وانعكست على المحافظات التي شهدت استقراراً ملموساً، وحصلت على إشادات دولية من التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأكدت ذلك بيانات مجلس الأمن الدولي وسجلها مبعوثو اليمن الذين تولوا المسؤولية حول جهود العمليات الأمنية وما وصلت إليه من مراحل متقدمة مقارنة بما كان عليه الحال قبل عام 2017.
الاستقرار الأمني انعكس على السكان الذين أيضاً قاموا بتقديم معلومات حول أي نشاط مشبوه في مناطقهم مما أسهم في عمليات أمنية استباقية أكدت نجاح القوات الجنوبية في المهام الموكلة إليها.
غير أن الإشكالية في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين فرع اليمن بقيت دون تعريف واضح، ففي حين تعتبر أطراف أن فرع الجماعة الذي يمثله سياسياً حزب التجمع اليمني للإصلاح، هو جناح سياسي غير مؤدلج وأنه لا يرتبط تنظيمياً بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، فإن أطرافاً أخرى ترى غير ذلك وتعتبره فرعاً للتنظيم الدولي للجماعة المحظورة في دول عربية وأوروبية وآسيوية، هذه الجدلية المسكوت عنها أو التي يراد لها أن تصمت هي الآن ما تطرح نفسها على المشهد السياسي اليمني جنوباً وشمالاً.
ولا يمكن النظر إلى أن هناك جملة حقائق على المشهد اليمني منذ تنحي عبد ربه هادي وعلي محسن الأحمر وتكوين مجلس الرئاسة، فلقد استعرضت وحدات عسكرية تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في عدة مناسبات بمحافظات مأرب وتعز، كما أن قيادياً من إخوان حضرموت أعلن في ديسمبر/كانون الأول 2022 ما أطلق عليه "دولة حضرموت" معتبراً أن جميع المناطق التي توجد فيها قوات عسكرية موالية لجماعة الإخوان في الوادي الحضرمي ومأرب والجوف وتعز والمهرة هي حدود للدولة المزعومة.
وفي حين أن كل هذه الأحداث توالت فإن حزب الإصلاح وسّع من أنشطته السياسية في تلك المناطق حتى إنه بات يعقد اجتماعات رسمية ويصدر عنها بيانات حملت في مضامينها تحريضاً على ما أعلن عنه بتشكيل "مجلس حضرموت الوطني".
تزايد الخطاب المحتقن من قبل الجهات المحسوبة على جماعة الإخوان بأذرعها في اليمن وحضرموت ما أدى إلى حوادث خطيرة، فلقد فتحت عناصر إرهابية النار على المحتفلين في مدينة تعز وكذلك حدث في سيئون مع المظاهرة السلمية بمناسبة يوم الأرض الجنوبي، هذه الحوادث جاءت على خلفية خطاب سياسي تحريضي وراءه جهة واحدة تحمل منذ أن نشأت في اليمن في عام 1929 مشروعاً أيديولوجياً معروفاً كان وراء كل نكبات شمال اليمن من إفشاله لثورة 26 سبتمبر 1962 وحروب المناطق الوسطى في سبعينيات القرن العشرين ثم استدعاؤه للأفغان العرب في غزو الجنوب عام 1994.