رماد «العشرية الإخوانية»
هاني مسهور
بمرور العقد الأول من سقوط حكم جماعة «الإخوان» في مصر، وتهاوي «جدران المعبد» على الجماعة، حدثت تحولات مهمة تبدأ من التكلفة الباهظة المدفوعة بسبب الدمار والخراب الذي اجتاح العالم العربي، وتنتهي عند الانفجار الداخلي للجماعة وانكشاف حقيقتها، وعبوراً بإزاحة اللوثة التي أصابت العقل العربي من سموم أفكار الجماعة. ومهما كانت التداعيات، فإنه من الجدارة النظر بواقعية إلى أن «عشرية الإخوان» خلّفت رماداً يتطلب ريحاً عاتية تبدده.
«الصحويون»، وإنْ بدوا أنهم ضحايا سقوط «الجماعة»، إلا أنهم كمن اضطر لإنزال رؤوسهم حتى تعبر موجة التغيير التي تحاول تصحيح الأشياء التالفة في المجتمعات العربية. وما يسمى بـ «الصحوة الإسلامية»، أحد منتجات «الجماعة»، وهو الأكثر نشاطاً وتغلغلاً في التأثير على المنطقة العربية من سبعينيات القرن العشرين، بعد أن استلهمت من كتب أبي الأعلى المودودي وسيد قطب مفاهيمها. ما لعبته أفكار «الصحويين»، يحتاج جهداً كبيراً لتفنيده. فالواقع يقول إن هناك أجيالاً صحويةً باقية تؤثر وتواصل حضورها.
المعالجات التي أعقبت الثالث من يوليو 2013 لم تصل بعد إلى عمق أيديولوجية الإسلام السياسي، فبمبررات متعددة أقصيت فقط عن وسائل الإعلام الرسمية مظاهر المتأسلمين، بما فيها ما كان يُقال عنها برامج توعوية مجتمعية، كما تم التضييق على رموز «الصحوة» المعروفين الذين هم أنفسهم وجدوا عدم قبول مجتمعي ففضلوا التواري عن الأنظار، ما يُقال إنها معالجات في جوهرها ليست غير تكرار لتلك الخديعة التي كانت قد قدمتها «الجماعة الإسلامية» عند اعتقال كوادرها في السجون المصرية بعد اغتيال الرئيس السادات.
وما سُميّ آنذاك بمراجعات فكرية كان مجرد أوراق لا معنى لها أتاحت لعناصر الجماعة الخروج من الزنازين والانتقال إلى كهوف تورا بورا لينتج هناك تنظيم «القاعدة» الإرهابي. الأفكار الصلبة لم يتم الاقتراب منها، فحتى مسألة تجديد الخطاب الديني معلقة، لأنها تُواجه دائماً بسيول عارمة من أجيال تربت ونشأت على تعطيل العقل والاعتماد على النقل، هذه واحدة من أهم وأعمق القضايا الواجب تحطيمها، فهي وإن تحطمت سيزول عن العقل العربي الإرهاب الفكري المسيطر عليه والذي يحول بين العرب والابتكار، ضرورات تجديد الخطاب الديني تعني نهاية صريحة لمناهل المتطرفين.
انكشف الخواء السياسي والفكري للجماعة، فالشعارات لم تترجم إلى سياسات، والمشاريع المعلن عنها لم تكن سوى أوهام، لم تطرح الجماعة أي كفاءات تذكر في السياسة والاقتصاد وحتى اجتماعياً وثقافياً، فبدت الجماعة خلال العام الذي حكمت فيه مصر جماعة متخمة بالموظفين يقودهم أناس خارج تاريخ وجغرافية مصر المعاصرة، وهكذا فقدت الجماعة أهم رهاناتها افتراضياً كان يداعب خيال العامة، وكان يعطي الجماعة دائماً فرصة افتراضية للتواجد المستقبلي، ألا وهو افتراض «حكم رجال الدين».
الانشطار الداخلي لتنظيم «الإخوان»، جعل «الصحويين» ينشغلون في ترقيع ما أصاب التنظيم وهياكله الإدارية، وحتى ذلك لم يمنع الجماعة من أن تتلقى ضربات قاسية في المغرب وتونس، ومع ما تمتلكه من مواقع في اليمن وحضرموت وليبيا والسودان تحاول الجماعة إعادة إنتاج نفسها مع بحثها المستدام عن الوطن البديل كخيار استراتيجي تستميت للحصول عليه لعلها تعود، خاصة أن العشرية لم توفِ باجتثاث أيديولوجيتها.
مع العشرية الثانية من الأجدر التعامل مع تركة الجماعة فكرياً، فثمة تحولات سياسية تفرض نهجاً مختلفاً يعتمد على القطيعة الكاملة مع إرث الجماعة، لم يعد لدى «الإخوان» حلفاء في العالم، حتى العواصم التي راهنت عليهم عرفت حقيقة انعدام الثقة مع الرأي العام الذي رفضهم وأسقطهم من كراسي السلطة، سواء بالثورة أو عبر صناديق الاقتراع. الريح التي يجب أن تهب على رماد العشرية «الإخوانية» يجب أن تأتي من نافذة تجديد الخطاب الديني، فإن تم تطهير الأفكار من العوالق سلم الناس من شرور «المتأسلمين».