الشرعية اليمنية والدرس المصري البليغ

صالح أبو عوذل

في الـ27 من يوليو، عاد رشاد العليمي إلى مدينة المكلا لعرض مسرحية "الارتهان" التي فشلت في عرضها الأول. هذه المرة، حاول المخرج تعديل النص، لكن الفوضى سادت الكواليس.
‏صعد رشاد العليمي المسرح بثقة زائفة، يحاكي عادل إمام في مشهد "لماذا قمنا بالثورة؟". نظراته كانت تائهة وكأنه يحاول تذكر كلمات النص الذي حفظه عشوائياً. من خلف الكواليس، كان المخرج يوجه تعليمات متناقضة، فـعبدالله العليمي، أحد الملقنين، يصر على النص الأصلي الذي يتحدث عن تطلعات الشعب اليمني بعد قرارات البنك المركزي، بينما عثمان مجلي، الملقن الآخر، يدافع عن النص المعدل الذي يركز على الإنجازات الاستراتيجي من سياسة الانبطاح والارتهان. في هذه الفوضى، ضاع المعنى وتشوشت المخرج والمؤلف.
‏وسط هذه الفوضى، كان المخرج يحذر رشاد من مغبة الخروج عن النص، ورشاد مرتبكًا نظرًا لخلو القاعة إلا بمن أتى معه. قال رشاد بصوت مرتجف: "أنتم لم تعرفوا لماذا قمنا بإلغاء قرارات البنك المركزي؟، حسناً ستعرفون بعد عشر سنوات "اننا قمنا بذلك من أجلكم أنتم فقط". ابتسم الحضور بسخرية واستدرك المخرج قول: "من أجل الشعب اليمني؟".
‏في "الكمبوشة"، كان عبدالله وعثمان يختلفان حول النص الصحيح، فكل منهما يحمل نسخة مختلفة. حاول عبدالله تنبيه رشاد بأهمية التأكيد على أن القرارات اتخذت لصالح الشعب، بينما أصر عثمان على أن النص المعدل، وبأن التراجع عن تلك القرارات "لصالح الشعب اليمني".
‏وحيال هذا الفوضى كان المخرج مشغولاً بكتابة سيناريو لمسرحية أخرى، متجاهلاً الفوضى التي تحدث على المسرح وفي الكواليس.
‏"حين تكون مخرجاً فاشلاً ولا تمتلك رؤية واضحة، ولكن الإنتاج بيدك، سيتبعك الممثلون بكل خنوع وانبطاح"، أما الجمهور اليمني سيذهب لمتابعة مسرحية "أكثر هزلية"، اسمها "محاربة إسرائيل"، وان كان في نهاية هذه المسرحية دمار "اليمن"، فيكفي ان هناك من يتداول "الشيلات على تيكتوك وفيس بوك واكس"، فاليمنيون لا يهمهم مستقبل بلدهم أكثر من يهمهم "حالة التباهي" بما يقول العالم عنهم "اليمن"، وأن كان ملامح هذا اليمني في صورة "الإرهابي عبدالملك الحوثي".
‏هذا المشهد الكاريكاتوري يعكس حالة التردي التي وصلت إليها الحكومة الشرعية في اليمن. فبدلاً من أن يكون مجلس القيادة الرئاسي المؤقت يحمل تطلعات وهموم الناس وآمالهم، أصبح أداة للتدليس والتضليل، وبشعار "كل من أجل الشعب اليمني".
‏قبل أيام، ثار المصريون على "فكرة المتاجرة بالفن المصري"، ومارسوا ضغطا كبيراً أنتهى بإلغاء أفلام واعمال فنية كان يمكن لها ان تدر الملايين على الفنانيين المصريين وربما قد يكون لها عائدا للشعب المصري، ولكن كان "الدرس المصري" بليغاً في أن هناك أشياء لا يمكن المتاجرة بها، فما بالك بشعب "يصف نفسه بأن أصل العرب، وهو يرى هذه المسرحية الهزلية التي تنال من مستقبل هذا البلد، وتضعه على طريق وحيد "الارتماء في حضن المشروع الفارسي"؛ والذي يعني مزيداً من الشتات لليمنيين.


مقالات الكاتب