هل صارت الجزيرة واحدة من أذرع إيران في المنطقة
فاروق يوسف*
كما لو أنها غير موجودة، تترك إيران الصغار من مواليها ينشرون إعلاناتها الرخيصة. كأن يُظهر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري اهتماما مسعورا بالشأنين البحريني واليمني، فيما تغوص بلاده في أوحال أزماتها البنيوية والإنسانية. أعتقد أنها حين تضع ذلك الرجل في الموقع الذي يكون فيه عرضة للسخرية لن تخسر شيئا ذا قيمة. فحربها الكلامية ضد إسرائيل يديرها حسن نصرالله من لبنان، فيما تتولى حركة حماس مهمة التنسيق بينها وبين الدولة العبرية كما تفعل لسواها من الممولين.
عراقيو ولبنانيو إيران مهتمون اليوم بقضية لم تظهر إيران أي قدر من الاهتمام بها. فجأة تطابقت وجهات نظرهم مع ما تبثه قناة الجزيرة التي كانوا إلى وقت قريب يعتبرونها بوقا مأجورا للأميركان الذين يملكون أكبر قاعدة عسكرية لهم في المنطقة تقع قريبا من مبنى تلك المحطة الفضائية.
ولأن الأميركان والإيرانيين على وشك أن يدخلوا مرحلة من الصراع سيكون على الشعب الإيراني أن يدفع ثمنها الباهظ، فإن موقف موالي إيران المنسجم مع موقف القناة القطرية يبدو غريبا. ولو استحضرنا شيئا مما جرى في سوريا عبر السنوات الماضية لأدركنا حجم الفجيعة التي تنطوي عليها الصفقات الجانبية التي لا يُشار إليها في خضم أنباء الحرب المأساوية.
في سوريا تمول دولة قطر جبهة النصرة، فيما تقف إيران وميليشياتها في الخندق المقابل. حزب الله المدعوم من إيران يقاتل في سوريا جبهة النصرة المدعومة من قطر. ولكن قطر وإيران حليفتان. ما معنى ذلك؟
موالي إيران الذين تبنوا خطاب قناة الجزيرة يعرفون ميول القناة الإخوانية. ألا يعني ذلك أن إيران هي الأخرى تتبنى جماعة الإخوان؟ لم يصدر من إيران ولا من مواليها في سوريا والعراق ولبنان أي بيان يدين الجهة التي تقوم بتمويل جبهة النصرة، بالرغم من أن تلك الجهة صارت معروفة ومعلنة على صعيد دولي. هل صارت قناة الجزيرة واحدة من أذرع إيران في المنطقة؟
سبق للإيرانيين أن كشفوا على الملأ عن أذرعهم في المنطقة. الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق. الحرس الثوري الإيراني هو من يتكفل بإدارة وتمويل تلك الجماعات الطائفية.
ليست مصادفة إذن أن تنضمّ قناة الجزيرة إلى تلك الأذرع بالرغم من أنها لم تتخلَّ عن نهجها الأصلي في تبني تنظيم القاعدة. الأمر الذي لا يغيظ إيران التي تملك تاريخا من العلاقات الجيدة بذلك التنظيم الإرهابي.
تصمت إيران في أوقات يتوقع الكثيرون منها المزيد من الكلام من أجل التنكيل بأعدائها العرب. ولكن حقيقة ذلك الصمت تكمن في مكان آخر. لقد ضمنت أن هناك مَن يقوم بدورها من غير أن تحرج نفسها.
وإذا ما نظرنا إلى ما يجري على مستوى الإعلام، فإن موالي إيران في العراق وسوريا ولبنان يشنون حربا إعلامية ضروسا ضد السعودية من غير أن تكلف إيران نفسها قول كلمة واحدة. تتوقع إيران أن نظريتها في قتل العدو من غير أن تطلق رصاصة واحدة التي اتبعتها مع العراق بعد غزو الكويت ستكون ناجحة مع السعودية. وهو أمر مستحيل.
فالعراق خسر نفسه قبل أن يخسر العالم. لقد صنعت الزعامة العراقية قبل 2003 ركاما هائلا من الأخطاء. الأمر الذي جعلها عاجزة عن التعامل مع أي أزمة طارئة. وهو ما استفاد منه أعداء العراق وفي مقدمتهم إيران.
أما السعودية فهي شيء آخر تماما. فهي إذ تمضي في مشروعها التنويري “رؤية 2030” فإنها تكون قد أعدت العدة لمواجهة التحديات الصعبة وتذليلها. وليست حفلات الردح الجانبية التي تحف بها إلا ألعابا صبيانية، كانت في حقيقتها مناسبة للكشف عن العلاقات المريبة بين دول وجماعات لا تريد للعالم العربي سوى الاستسلام للظلمة.
*كاتب عراقي