كارثة الإسلام السياسي ومظلتها الغربية
فاروق يوسف*
ما لا تريد أوروبا تفهمه أن هناك كارثة في المنطقة اسمها إيران. ومما يؤسف له أن العالم العربي تأخر كثيرا في تسليط الضوء على تداعيات تلك الكارثة التي أصابت أجزاء منه بمقتل من خلال الميليشيات الإيرانية التي انتشرت بطريقة سرطانية لتفرض شرعيتها المستلهمة من إيمانها بعقيدة ولاية الفقيه على دول فقدت القدرة على إدارة شؤونها لأسباب مختلفة.
بموازاة إيران وعلى الخط نفسه تقف جماعة الإخوان المسلمين التي كانت ولا تزال تتمتع برعاية وترحيب وحنو دول أوروبية ومحافل ضغط أميركية لم تلتفت إلى ما تنطوي عليه تلك الظاهرة المتطرفة في تخلفها ودعوتها إلى ممارسة العنف من تهديد لحياة مجتمعات قٌدر لها أن تكون حاضنة لممالك النمل الإخوانية.
كارثتان هما التجسيد الأمثل لما سماه الغرب بـ“الإسلام السياسي”.
ذلك الإسلام الذي لم يهبط من السماء بل اخترعته الأقبية السرية التي تقيم فيها جحافل النمل البشري ليكون وسيلة للوصول إلى السلطة التي ما أن يتم التمكن منها حتى يتم نزع الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها. فلا إسلام ولا هم يحزنون. هناك حشود من قطاع الطرق واللصوص والأفاقين والمحتالين والعملاء قد وجدت ضالتها في السلطة لكي تعمي المجتمعات عن رؤية حقيقتها.
العراق هو النموذج الذي يمثل صورة الحكم في ظل الإسلام السياسي. لقد حكم العراق عبر أكثر من اثني عشر عاما حزبُ الدعوة الإسلامية، وهو حزب موال لإيران، غير أنه يستند في أدبياته إلى نظريات جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
حزب الدعوة هو خلاصة اللقاء العقائدي بين إيران والإخوان المسلمين. وعلينا هنا أن ننسى التهريج الطائفي الذي هو في حقيقته ملهاة للطبقات الفقيرة وبسطاء الناس ممن يُعتبرون من وجهة رجال الدين مجرد حطب لحروب طائفية ينبغي أن تقع من أجل التعجيل بظهور المهدي المنتظر تمهيدا للانتقال إلى الآخرة.
كل ذلك لم تفهمه أوروبا وهي غير مستعدة لفهمه. لا لأن الحقائق لا تصل إليها بل لأن هناك مجموعات ضاغطة تسعى إلى تشويه تلك الحقائق بما يخدم أغراضها في تلميع الديمقراطية المُخترَقة بالتزوير والشرعية الزائفة مثلما هي شرعية محمد مرسي ونوري المالكي.
ما فعلته إيران من خلال ميليشياتها التي اعترفت أنها جزء منها ومن نظام ثورتها القابلة للتصدير يستحق أن تقف أوروبا ضده وتقاومه. العدالة وسواها من المبادئ التي تحكم الحياة في أوروبا تقول ذلك. غير أن أوروبا لم تفعل ذلك.
سنة واحدة من حكم الإخوان في مصر كانت كافية لكي يقول الشعب المصري كلمته الرافضة لاستمرار ذلك الحكم. لقد سحب الشعب المصري وهو يمارس حقه الطبيعي الشرعية من الإخوان. وهذا ما ينسجم مع الرؤية الأوروبية لمفهوم الديمقراطية وحق الشعب في اختيار مَن يحكمه. ألا يليق بأوروبا أن تقف مجتمعة وراء شعب مصر، تسانده في خياره الديمقراطي؟
هناك شيء آخر غامض في ما يتعلق بموقف أوروبا من الإسلام السياسي. حين انفتحت المملكة العربية السعودية من خلال مشروع الأمير محمد بن سلمان “رؤية 2030“ بدا ذلك الموقف الغامض جلياً.
بدا كما لو أن الأمور خرجت من أيديهم. هناك سعودية أخرى ترى النور. سعودية لم يساهموا بصناعتها بل تدعوهم للعمل فيها من موقع الشراكة والثقة بما تسعى إليه من تحديث. وهو ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت سابق.
لكن السعودية غير الإمارات.
السعودية تقف في مواجهة كارثتي إيران والإخوان في وقت واحد. فإذا ما كانت قد حظرت جماعة الإخوان باعتبارها جماعة إرهابية، فإنها لم تعد تواجه إيران ببعدها الديني وهو ما حرم إيران من العدو الطائفي.
أما كان حريّا بأوروبا أن تقف مع السعودية في مسعاها التنويري؟
ذلك هو السؤال الكبير الذي ظلت أوروبا حائرة في البحث عن إجابة عليه وهي تحمل في الوقت نفسه بيدها لغم الإسلام السياسي الذي يمثل سبيل معرفتها الوحيد بمستقبل المنطقة.
لقد اجترحت السعودية معجزة، حطمت من خلالها القناعة الأوروبية التي أقيمت على فرضية تمكن الإسلام السياسي من حكم المنطقة.
هُزم الإسلام السياسي، لكن بعد خسائر فادحة. غير أن هناك قوى وجماعات ضغط لا تريد أن تصدق أن تلك الهزيمة نهائية.
من ذلك المنطلق يمكننا أن نفهم سر العلاقة ما بين موقف تلك القوى المدافع عن إيران وجماعة الإخوان وبين الحملات المناوئة لمشروع التحديث السعودي.