ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس: التفرد والمنهجية

أحمد الربيزي

- مقدمة لابد منها:
كان لنا حضور في (ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس 10-12نوفمبر) والذي يقيمه مركز الإمارات للدراسات في أحدى قاعات (قصر الإمارات) في أبوظبي، برئاسة الدكتورة المتميزة ابتسام الكتبي هذا الملتقى الذي يناقش اهم القضايا الاستراتيجية في العالم وتمحورت مواضيعه حول (القوة) حيث كانت هي العنوان الرئيس في غالبية جلسات الملتقى وتفرعت منها عناوين من أهم موضوعات الساعة واستشراف المستقبل أو كما وصفتها الدكتورة أبتسام الكتبي في كلمة الافتتاحية : "غرور القوة وطموحها .. والبحث عنها وبروزها واستثمار كوامنها ..". وفي حقيقة الأمر لقد كان لي شرف حضوره في هذا العام لأول مرة ولم أعلم ماذا كان في الأعوام السابقة يظهر بهذا الترتيب وهذا الأعداد المميز الذي شاهدته في هذا العام، في دقة التنظيم، والاستغلال الجيد للتقنيات الحديثة من دقة التصوير وفن صناعة الديكورات للمسرح أو (المنصة) - ان صح التعبير- وتقنية وجودة الصوت وسرعة الترجمة واضفاء الألوان الرائعة والمنسقة بشكل ملفت، والظهور الرائع وتقسيم الوقت وكل البرنامج الذي أثار الدهشة وانبهار الكثير من الحضور، واذا كان الشكل الخارجي قد اثار الدهشة والاعجاب فأن جوهر مواضيع الملتقى كانت أكثر ابهاراً لمضمونها وقيمتها المعلوماتية والسياسية، ولتعددها وشمولها لمواضيع استراتيجية تعد الأهم على مستوى السياسات الاقتصادية واستراتيجيتها في العالم وأهميتها لصناع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة خاصة ولبقية دول المنطقة العربية عامة.


الافتتاحية : استعراض لسياسة الإمارات وطموحها المتقد

كانت الجلسة الافتتاحية قد تميزت بكلمة الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تعد وثيقة هامة حدد فيها سياسات الإمارات في شتى القضايا ولا ابالغ ان اعتبرتها مرجع هام ضمن وثائق "الملتقى" وقد ظهرت لاحقا حين استند اليها الكثير من الباحثين في الملتقى .
وقبلها القت الدكتورة ابتسام كلمة الافتتاحية التي حددت فيها منهجية الملتقى وأهدافه بكل وضوح والتي حاولت ان تحدد ملامح السياسات العالمية ومدى تأثيراتها على المنطقة العربية من حيث الاستفادة من الاستراتيجيات الجديدة واستشراف السياسات المستقبلية المستمدة من (القوة) مستعرضة فيها منهاج جديد لـ (القوة) ليست (الناعمة أو الخشنة) فحسب بل القوة الذكية وتوظيفها في بناء قوة الدول، وتقديم تجربة الإمارات في بناء القوة الناعمة والقوة الذكية وتوظيفهما في بناء الاقتصاد كنموذج في بناء القوة وفهم القوة وتوزيعها دوليا.
كانت الأطروحات والنقاشات مكثفة بشكل كبير ومزدحمة بجملة من القضايا التي طرحها الباحثون في شتى مجالات العمل السياسي الاستراتيجي بكل جوانبه الاقتصادية والتنموية والجيوسياسية والديمغرافية والبيولوجية وصبت جلها في نفس سياق العنوان الرئيس التي وضعه معدوا (الملتقى) وهنا يكمن منهجية مركز الإمارات وتركيزه على قضايا استراتيجية بعنوان مرًكز يجعل من مخرجات الملتقى ان تصب في مسار محدد ومهم في دراسة استراتيجية السياسات العالمية، الأمر الذي يتيح للمتلقي وللحاضرين المتابعين ولصناع القرار استيعاب كل السياسات الاستراتيجية المحيطة بهم، وفهم كل أبعادها الجيوسياسية والجيواقتصادية، ومكامن القوة والضعف مما يسهل لهم رسم السياسات التي تناسب حالهم ووضعهم.

تشخيص أهم اقتصاديات العالم وتفكيك سر استراتيجياتها المستقبلية

- التفرد الأمريكي ودور روسيا المأمول
في اطار التنظيم والاعداد تم تقسيم أوقات اليومين التي انعقد فيها الملتقى الى اثناعشر جلسة وكل جلسة تتناول موضوع معين، ففي اليوم الأول التي قُسمت أوقاته الى سبع جلسات محددة بتوقيتها المنظم كحلقات نقاش يكون فيها أربعة ضيوف أو أكثر يناقشوا عنوان معين لسياسات محددة لدولة أو لقارة من قارات العالم لا يخرج عن العنوان الرئيس للملتقى بشكل عام، وكان موضوع الجلسة الثانية عن سياسات أمريكا وتأثيرات سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما طرى من تغييرات على منهجية سياسة الديمقراطيين الذي يتراسهم "ترامب" في قمة السلطة وسياساته العالمية وتأثيراتها في كل مناطق العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط يشكل خاص والتطورات الأخيرة بعد مقتل "خاشقجي" وتأثيراتها على العلاقة مع دول المنطقة وبالذات المملكة العربية السعودية، وكذلك على موقفهم من الحرب القائمة في اليمن والدعم الأمريكي للتحالف العربي ومدى استمرارها بعد ضغوطات مجلس النواب الأمريكي الذي استطاع ان يوقف تزويد أمريكا لطيران التحالف العربي بالوقود (المازوت) واستطاع مجموعة من الباحثين المتخصصين ان يغنوا الملتقى بحزمة من الآراء والاطروحات في سياق الجلسة تحت عنوان "إغراء القوة : السياسات الأمريكية" وقد تحدث في الجلسة ثلاثة من الخبراء في السياسة الامريكية حيث تحدث في مداخل هامة مدير مركز المخاطر العالمية في مؤسسة "رائد" الدكتور اندرو بارسيليتي: وقال "الولايات المتحدة الامريكية تشهد انقساما مستمرا إزاء المسائل الاقتصادية واولويات السياسة الخارجية .. وبروز الصين يعد التحدي الرئيسي للنظام العالمي ..وأمريكا بحاجة لتغيرات كبيرة في خطتها الدفاعية للوفاء باحتياجاتها في آسيا" وحول السياسة الأمريكية وتغيراتها تحدث الدكتور مايكل روبن وهو باحث مقيم في (معهد المشروع الأمريكي) والذي لا يختلف في تشخيصه عن زميله "اندرو" حيث قال: ان الولايات المتحدة الامريكية تفتقر لسياسة خارجية تفاعلية منذ فترة طويلة، وأضاف: "ان النظام الأمريكي المرتكز على سيادة القانون يشكل حصانة للولايات المتحدة الأمريكي إزاء أي محاولة للجنوح في السياسة الخارجية وصناعة القرار الخارجي ليست مسألة فردية والتعامل مع الصين لا شك انه يشكل تحديا للإدارات الامريكية المختلفة" عن سياسة ترامب قال:"ليس هناك خلاف على ان الرئيس ترامب مثل اختلافاً جذرياً في السياسة الخارجية لكنه يضطر الى التنسيق مع الكونجرس والمؤسسات الأخرى في إدارة ملفات السياسة الخارجية" وجاءت مداخلته في سياق ما تحدثت به الدكتورة دانييا بليكا مسؤولة في (معهد المشروع الأمريكي) حيث كانت أكثرو وضوحا من زملائها حيث قالت:"هناك انفصال واضح بين ما يقوم به "ترامب" وما تقوم به ادارته الأمر الذي اربك المراقبين فيما تبني أمريكا حساباتها على تكهنات غالبا ما تكون خاطئة" وأضافت: "تواجه السعودية والإمارات توسع إيران وحلفائها في المنطقة وهناك ارتباك شديد في واشنطن حول هذا الأمر وهذا الارتباك خطير وهناك دعم تحظى به إيران من بعض الديمقراطيين في الولايات المتحدة وهذا ليس أمراً صائبا ويضر بحلفاء امريكا واصدقائها في المنطقة"

وفي الجلسة الثالثة التي جاءت تحت عنوان "طموح القوة: السياسات الروسية" التي تحدث فيها مجموعة من الخبراء مختصين في السياسة والاقتصاد الروسي وما مدى تأثيراتها العالمية؟! وتطرق الباحثون بإسهاب الى الدور الروسي والقوة الروسية الخشنة وموقفها الاستراتيجي كقوة قابلة للعب أدوار كبيرة في المنطقة العربية، استشهادا بدورها في دعم النظام السوري.
ان أهمية ما يتم مناقشته في الملتقى الاستراتيجي الخامس كونه يأتي من قبل خبراء سياسيين، ومسؤولين سياسيين عرب وأجانب كانوا في حقبات سابقة من ضمن صناع القرار، ولهم باع في دراسة السياسات الدولية، بالإضافة الى خبراء في مراكز دراسات عالمية مثل مركز (شوتيم هاوس) وخبراء في الاتحاد الأوروبي وخبراء مراكز أبحاث شرق أوسطية وافريقية، بالإضافة الى مراكز أمريكية وصحافيين في أعرق مجلات وصحف أوروبية وامريكية وروسية، ولعل تنوع مواضيع النقاشات لتشمل المحيط العربي والإقليمي وسياسات أهم دول العالم، يشبع المتتبع والمختص في شؤون سياسات الدول.

- الصين والهند الأهم والأقرب
كان للجلسة الرابعة والسادسة التي عقدت في اليوم الأول، أهمية خاصة لأنها اختصت بمناقشة التطورات الاقتصادية والنمو المتزايد لاهم أقتصاديات آسيا وأعني (الصين والهند) في الجلسة الرابعة وتحت "حدود القوة : الصين ومحددات الجغرافيا" سمعنا نقاشات قمة في الأهمية حول قوة الصين الأقتصادية كدولة كبرى لها أهميتها وتأثيرها العالمي ومدى تنافسها مع أقوى أقتصاديات العالم (أمريكا والاتحاد الأوروبي)، وكان للدكتورة "سونيا لي" – خبيرة صينية - الحضور الطاغي في المناقشات لما تمتاز به من أسلوب مبسط تستطيع من خلاله توصيل الفكرة التي تطرحها مستخدمة عناصر بسيطة كأمثلة حية تسند منطق طرحها، مما لفت اليها الأنظار وطرحها كان مساند للقوة الناعمة التي تمتاز بها الصين كثقافة عريقة لها منهجها الفلسفي كإرث ثقافي ممتد لأكثر من خمسة الف عام، ومغاير للمنهج الغربي المعتمد على المعايير والمقاييس التي يضعها القانون السائد، وقالت في مداخلتها :" أنه من الطبيعي ان نتوقع للصين انخراطاً أكبر في قضايا الشرق الأوسط ضمن مبادرة (الحزام والطريق) لكن الصين لا تحب التورط في قضايا المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية" وأضافت "تعد الصين قوة عالمية في معايير القوة لكنها تواجه قيود وتحديات كبيرة على هذه القوة" وأستمر التركيز في الطرح الذي أتسمت به نقاشات حادة بين الباحثون - وفيهم (الدكتورة سارة كريشبيرجر) باحثة من مركز دراسات الاستراتيجية والأمن في منطقة آسيا والهادي- والتي قالت في مداخلتها :" تعتمد الصين على طرق النقل ومبادرة الحزام والطريق تضمن للغرب وأوروبا بدائل استراتيجية لخطوط الأمداد والنقل في حالة حدوث أي صراعات أو حالة طوارئ في النقل العالمية لكنها تتضمن مخاوف خاصة في أطار تنامي العلاقات" وقد تركز النقاش في مجمله على المنهج الصيني الاقتصادية والذي وصفوه باستراتيجية مبادرة (الحزام والطريق) التي تنتهجها السياسة الاقتصادية للصين في وضع الحزام الاقتصادي القوي من حولها ورسم طريق الحرير، وتحدثوا عن وجهات نظرهم في مدى نجاحاتها وتنافسها للاقتصاديات العالمية، حيث قال الدكتور زانج يويان في طرحه :"بالنظر للنتاج المحلي للصين فهي في المرتبة الثانية كقوة اقتصادية عالمية ولديها شراكة تجارية مع أكثر من 100 بلد في العالم، ويشكل "مبادرة الحزام والطريق" ((bri عنصرا رئيسيا في السياسة الخارجية للصين وسيظل كذلك خلال العقود القادمة" وقد اظهر الباحثون الكثير من المعلومات والأرقام التي تسند وجهات نظرهم (سنراها بإذن الله في مخرجات الملتقى).

وفي موضوع الجلسة السادسة تحت عنوان "صعود القوة : دور الهند الجديد" اشتد فيها النقاش وكان للضيوف على مسرح "الملتقى" د. سمير ساران (رئيس مؤسسة اوبزورفر) في الهند ود.أن جناردان من أكاديمية الإمارات الدبلوماسية والذين ظهروا وكأنهم مروجي للسياسة الجيواقتصادية الهندية مما جعلهم عرضة لتدخل قوي من قبل المتداخلين المتابعين في القاعة ولأهمية ا(موضوع الهند) كان المتداخلين من العيار الثقيل واهم المداخلات كانت لمعالي "عمرو موسى" وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام سابق للجامعة العربية الذي أوضح عمق العلاقات الاجتماعية بين الهند والدول العربية، وقد وضع تساؤلات عدة منها هل بالأمكان ان تلعب الهند الدور القيادي في عجلة التطور نحو المستقبل بالنسبة للمنطقة والاقليم وللدول النامية عموما وتأخذ دورها كقائدة للدول النامية باعتبارها الأقرب اليهم؟!! كما كانت كذلك للكثير من الأخوة مداخلات ومنهم كذلك الأستاذ خالد بحاح الذي أشاد بالسياسة الاقتصادية الهندية، وأكد على وجوب الشراكة الحقيقية مع دول المنطقة مع احترام خصوصياتها السياسية ومصالحها الاقتصادية ان كانت فعلا تسعى الى قيادة الدول النامية كما تطمح ان تكون.

اليوم الثاني والختامي : تفكيك شفرة "صفقة القرن" والمشي على الماء

حفل اليوم الثاني لانعقاد ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس بجملة من الموضوعات السياسية الساخنة ضمن برنامجه الحافل وكانت الجلسات الخمس المتبقية مكثفة بنفس كثافة الأفكار التي تزاحمت وهي تفكك شفرات مواضيعها المعقدة بدأ الغوص في أغوار مبادرة لساسة في الادارة الأمريكية في الشرق الأوسط عرفت بـ(صفقة القرن) ومروراً عابرين على الماء في العالم العربي وانتهاءً بتوقع نهاية خرافة إيران وقطر.
ظلت فكرة مبادرة أو خطة (صفقة القرن) خلال الفترة المنصرمة - ولازالت - في تناولات الإعلام العربي والإقليمي عبارة عن مصطلح يتداولها ضمن أجندة إعلام الدول المعادية لبعضها كوسيلة للمكايدات والمناكفات، بالرغم انها ظلت مبهمة ولم ينشر مضمونها، ولهذا كانت تثير الكثير من التكهنات ومن الشكوك حولها حد ان يتم وصفها بمؤامرة (صفقة القرن) عند الكثير من المراقبين، واللاعبين، في المنطقة، وفي (ملتقى ابوظبي الاستراتيجي الخامس) حاول معالي السيد عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية وسعادة السفير دينيس روس المنسق الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط في الجلسة الثامنة ان يسبروا اغوارها ويكشفوا لنا جوانب مهمة حولها وذلك خلال جلسة نقاشيه هامة بعنوان (الرسم بالسياسات: "صفقة القرن" وإعادة صياغة الشرق الأوسط) حيث تحدث السيد "روس" في مداخلته بان (صفقة القرن) لم تكشف بعد، مستدركاً؛ بان هناك نقاط منها تسربت وخضعت للنقاش بشكل عام، مع ان أدراة "ترامب أشارت الى ان الخطة ستطرح قريبا، لكنه - أي روس - يعتقد انها لن تُكشف قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة المتوقعة في شهر فبراير أو مارس المقبل، وقال في مداخلته :" ينبغي ان تقدم الصفقة خطيا الى القادة العرب المعنيين بمحاولة الوصول الى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحديدا قادة مصر والسعودية والأردن والمغرب والإمارات ويجب ان تأخذ الخطة ملاحظات هؤلاء القادة، كما انه يجب ان على الخطة في نهاية المطاف ان تلبي مطلب الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة فأي حلاً لا يرتكز على حل الدولتين لن يقبله الفلسطينيون".
وفي مداخلته الهامة قال السيد عمرو موسى ان لديه ثلاث ملاحظات رئيسية على الصفقة : الأولى انها استبعدت قضية القدس من الصفقة بداية والثانية أنها تأتي مرة أخرى بالخيار الأردني الى الطاولة، والملاحظة الثالثة أنها تأتي بالخيار المصري لأول مرة، وأضاف عمرو موسى: "لا أعتقد ان مصر أو الأردن أو حتى الفلسطينيين سيقبلون بذلك واذا تم استبعاد قضيتي القدس واللاجئين والتعامل مع المستوطنات كأمر واقع فكيف يمكن لطرف فلسطيني أو عربي قبول الصفقة" وحول ماذا كانت صفقة القرن سيتم قبولها من القادة العرب قال عمرو موسى: " ليس على القادة العرب فقط هم من عليهم قبول الصفقة، بل أيضا الشعوب العربية فالاضطرابات والتغيرات التي شهدتها المنطقة في السنوات السابقة تجعلنا ندرك انه بعد الان لا يمكن تجاهل الشعوب العربية والتغاضي عن آراء الشباب والقادة العرب لن يقبلون بصفقة يعرفون انها لن تقبل شعبياً، كما ان الدول العربية لا تستطيع توفير غطاء للفلسطينيين للقبول باتفاق سيئ لكنهم سيرعون الاتفاق في حال لبى مطالب الفلسطينيين" وفي المقابل رد عليه السيد دينيس روس في إشارة الى ان الرأي العام في المنطقة لا يتم الأخذ به وقال (روس): "صحيح ان الرأي العام في المنطقة مهم بخصوص القضية الفلسطينية واعتقد انه اذا كان القادة العرب يخشون من الرأي العام بخصوص الصفقة فسيكون الوضع ضبابيا، ولكن السؤال هو كيف معرفة حقيقة الرأي العام، وهل يجب على القادة العرب قيادة الرأي العام أم الخضوع له؟!".
وعن سياسة الرئيس ترامب في المنطقة أشار السيد دينيس روس بان الاعتقاد في واشنطن بعد ان تسلم الرئيس ترامب السلطة بأنه سيُحدث تغير جديد في الشرق الأوسط بخصوص العلاقة بين العرب والإسرائيليين، بسبب ان الطرفين اصبحا ينظران بنفس الطريقة الى مصادر التهديدات الأمنية المشتركة من إيران والإرهاب فلم تعرف المنطقة في الماضي مثل هذا التقارب الاستراتيجي العربي الإسرائيلي، وفي المقابل وجه السيد عمرو موسى انتقادات حادة للذين يرون ان قرار "ترامب" حول القدس لم يعترف بحدود المدينة وقال انهم يتجاهلوا انه أعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأضاف "موسى" ان السفير الأمريكي لدى إسرائيل "غرينبلات" صرّح إثر القرار بأن القدس كما هي عاصمة ابدية لإسرائيل.
وفي الأخير يبقى على المتابع العربي واللاعب كذلك ان يتسأل ماهي (صفقة القرن) وما مدى تأثيراتها سلبناً وإيجاباً على مستقبل المنطقة العربية، خصوصا وان شفراتها تبقى كما هي مشفرة ومغلقة ويعجز ان يفكك محتواها ومضمونها؟! ومن هنا ستظل التكهنات المحفوفة بالشكوك سيدة الموقف في الشارع العربي بل وفي دواوين وزارات معظم الدول العربية، فلا غرابة في ذلك لأننا نعيش زمان وحقبة "ترامب" القابلة لأي احتمالات.

- من المشي العربي على الماء الى "المشي على البيض"
وفيما فضلت ما تسمى بـ(صفقة القرن) حبيسة الادراج، أو كفكرة أو خطة لم يتم الإفصاح عنها عدى ظهورها بين حين وآخر بخجل واستحياء برغم الهالة الإعلامية التي شملت استخدامها كمصطلح يتم تداوله واستخدامه ضمن الحروب الإعلامية بين دول المنطقة والإقليم، ظلت السياسة العربية تمشي على الماء، وهو العنوان الذي اتخذته الجلسة التاسعة في ملتقى ابوظبي الاستراتيجي الخامس بعنوان "العالم العربي : المشي على الماء " والتي استضافت الأستاذ خالد بحاح نائب الرئيس ورئيس الوزراء اليمني السابق، ومعالي محمود جبريل رئيس الوزراء الليبي السابق، ومعالي الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية المصري الأسبق ومستشار نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط الدكتور عبدالله الدردري ولان موضوع حلقة النقاش أعقد من ان يتم تناوله في هذا الحيز بالرغم ان الجلسة منحت أوسع فترة من الوقت (ساعة ونصف) الا ان مشي السياسات العربية المستحيل على الماء، جعل من المستحيل ان يتم تناولها بكل وضوح وبشفافية تامة من قبل هذه النخبة من السياسيين العرب والذين كانوا الى وقت قريب يتولون مناصب هامة في دولهم، بما يعني ان نقاشاتهم كما وصفها الصحفي التونسي (أحمد الباشا) في مطلع مداخلته حيث قال ان تناولكم للسياسات العربية التي تمشي على الماء، تحول وينطبق عليه المثل الفرنسي (المشي على البيض) منتقداً التحفظات التي اتسمت بها مداخلات ضيوف جلسة النقاش، ولم يقف الأمر عند ذلك بل ان مداخلة الصحفي يوسف الحسن، كانت مباشرة في نقدها للضيوف حيث قال: " لم نسمع هذا الكلام الجميل والتنظير الرائع من المسؤولين الا بعد ان يتركوا السلطة" الأمر الذي جعل معالي محمود جبريل يرد عليه بأن المتواجدين اليوم في حلقة النقاش لم يكونوا في أي يوم من ضمن أصحاب القرار الأول في سلطة بلادهم.
وكان قد تحدث الأستاذ خالد بحاح في مستهل الجلسة حيث قال: "أن البحث عن الدولة الوطنية لايزال هو التحدي الأكبر في اليمن ودول عربية عدة، لافتاً إلى أهمية الولوج إلى الحلول في اليمن بشكل جاد، من قبل الإقليم العربي، والمجتمع الدولي" وأضاف : "من المهم الولوج الى الحلول في اليمن بشكل جاد من قبل الإقليم العربي والمجتمع الدولي فاستعادة اليمن مازال ممكنا عبر آليات محددة تنطلق من معالجة الحالة الاقتصادية في مساحة الـ80% المحررة عبر برنامج إعمار واضحة" ولفت النظر الى مشروع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، موكداً انه لن يطبق بسبب رفض كل الاطراف المتحاربة له، وقال خالد بحاح :" لن يقبل الجنوب بمسودة الدستور بعد ان تم اجتياحه مرتين آخرها 2015م..ولن يقبل الجنوب اي ضمانات دوليه وإقليمية، ونوه الى ان اشياء كثيرة يمكن ان تحدث بينها مرحلة انتقالية في اليمن مدتها لخمس سنوات يتم بعدها تقييم التجربة ككل، وخاطب المشاركين في الملتقى بالقول : ولابد ان نقلق بشان الجنوب.

وتحدث في الجلسة التاسعة لملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الخامس معالي الدكتور نبيل فهمي الذي دعا في مداخلته القادة العرب الى طرح نموذج عربي للأمن الإقليمي في البحر الأحمر، وقال :"ينبغي التفكير في حوارات عربية مع تركيا وإيران في حال بادرت طهران وأنقرة الى إجراءات بناء الثقة مع العالم العربي" ومن جانبه نوه معالي الدكتور محمود جبريل في مداخلته الى ضرورة ان يتم دراسة الأسباب الجذرية للانتفاضات التي شهدتها المنطقة فقد تكون فرصة نادرة لأنظمة أخرى لتلافي انتفاضات قادمة من خلال علاج الأسباب الهيكلية التي أدت الى اندلاعها، فقد تكون الموجات القادمة أشد عنفاً وقال "جبريل" : " ان العالم العربي حتى في حالة الضعف التي يمر بها لديه الكثير من عناصر القوة ودواعي التغيير لم تعد خيارا وإنما مسألة حتمتها الظروف الموضوعية، والقضية أصبحت إما أن تغير أو أنك ستتغير.

في الأخير بقي ان ننوه الى ان ملتقى ابوظبي الاستراتيجي يعقد سنويا وتحت اشراف وزارة الخارجية الإماراتية ويحظى باهتمام بالغ من الدولة لما له من أهمية بالغة، وأعتذر عن عدم استطاعتي مواكبة كافة الجلسات الـ 12 جلسة وجميعها تطرقت الى مواضيع هامة جداً.


مقالات الكاتب