قطر بين نار العزلة وجحيم العلاقة مع إيران (تقرير خاص)
تسعى قطر خلال تلك الآونة إلى التغطية على حجم المأساة التي تعايشها بعد فرض العقوبات الأمريكية بشكل أكثر صرامة على حليفتها إيران، والذي جعل قطر أكثر عزلة ووحدة، لسيما بعد مقاطعة دول الرباعي العربي لها بسبب دعمها الإرهاب وإيوائها العناصر المتطرفة والإرهابية ودعمها لعلاقاتها مع طهران لتخريب المنطقة.
ويواجه النظام القطري الآن اختباراً صعباً في حتمية الاختيار ما بين العزلة والابتعاد عن نار إيران خوفاً من جحيم العقوبات، أو استمرار العلاقات مع إيران التي تعاني عزلة دولية في الأساس وتحمل جحيم العقوبات الأمريكية.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، الدكتور يوسف الجداوي، في تصريحات خاصة لـ"المشهد العربي"، من الصعب أن تستطيع قطر الاستغناء عن إيران لأنها تعد حليفاً هاماً بالنسبة لنظام الحمدين، لسيما بعد مقاطعة الرباعي العربي، مؤكداً أن العقوبات الأمريكية كانت صفعة مزدوجه أصابت إيران وقطر.
وأكد الجداوي، أن الأمير القطري يحاول إخفاء حقيقة الأوضاع الصعبة والأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد القطري، منذ تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث تؤكد كل التقارير الاقتصادية الصادرة من داخل قطر وخارجها أن قطر تمر حاليا بأزمة اقتصادية عنيفة، في الوقت الذي تحاول فيه الأبواق السياسية والإعلامية للنظام القطري إخفاء معالمها وأبعادها وتداعياتها الخطيرة على المواطنين القطريين، ويكفي هنا الإشارة إلى ما ذكره مدير الأبحاث بمركز "بروكنجز الدوحة"، قبل أقل من شهر ونصف الشهر، حول ارتفاع كبير في نسبة الديون وسط المواطنين القطريين، ما يكذب ادعاءات التي يرددها الأمير القطري حتى يخفي على شعبه حقيقة الأوضاع الصعبة والأزمة الخانقة التي تعيشها قطر.
الخبير الأمني والإستراتيجي الكويتي، فهد الشليمي، قال في تصريحات خاصة لـ"المشهد العربي"، أن التعاون بين قطر وإيران جاء بطلب قطري في الأساس، وأعتقد أن الدوحة طلبت الوساطة من الكويت، والتي قام أحد الشخصيات الكبيرة جدًا فيها بالتحدث مع الأمريكان في هذا الشأن لإدخالها في المحور الدفاعي».
وأضاف الشليمي بأن وجود قطر في المحور الدفاعي يُعد ضغطًا على إيران، وفي نفس الوقت الجانب القطري ذاته، والذي يُعد حليفًا لإيران، ومن ثم فقطر قدّم مع التحالف وقدّم مع إيران وننتظر أي قدّم تذل الأخري.
وتابع: إن صمود قطر في الثبوت على مواقفها العدائية تجاه الدول العربية ما كان ليكون لولا دعم إيران وأذرعها وأدواتها في المنطقة، وها هي إيران الآن تلتقط أنفساها الأخيرة، وستلجأ في أقرب وقت إلى لملمة جراحها والإنشغال بأزماتها الداخلية التي ستؤجج الشعوب الإيرانية على نظام الحكم بكل تأكيد، ويبدأ العقد الإيراني بالإنفراط والإنهيار تدريجيا، بحيث تصبح قطر أكثر عزلة ووحدة، ودون أي داعم أو مؤيد.
وكانت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب السعودية والإمارات والبحرين ومصر أعلنت في 5 يونيو من عام 2017 قطع علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع قطر، إثر ثبات دعمها وتمويلها للإرهاب في المنطقة، رافضة قبول قائمة المطالب العربية التي من شأنها احتواء تلك الورطة القطرية، والتي جاءت أبرزها في قطع العلاقات مع إيران
وتعد قطر هي حجر الزاوية في دعم وإنشاء تنظيمي القاعدة وداعش، إضافة لدعمها لتنظيم الإخوان، وهو ما عده خبراء السياسة خدمة للأجندة الأميركية في المنطقة العربية، ورعاية لمصالح إسرائيل.
ولا يتوارى “تنظيم الحمدين” من الدعم العلني للتنظيمات الإرهابية في مصر وليبيا، بما يشكل معضلة أمنية لقلب الوطن العربي، وخلق أزمات عسكرية واقتصادية معقدة، ودائمًا ما يصرح المسؤولون المصريون والليبيون عن تورط قطري في الدم المصري والليبي، إلا أن “تنظيم الحمدين” لا يتوقف عن تقديم الدعم للجماعات الإرهابية، ثم يسلط إعلامه بنشر الأكاذيب والفوضى والتخريب.
وتأتي تحركات قطر من علاقات متهورة مع الجانب الإيراني لا سيما في سياق الشراكة في إنشاء خطوط ملاحة بين موانئ البلدين، وتأسيس حسابات مصرفية وتطوير التبادلات التجارية وتوسيع دائرة الإستيراد والتصدير، يعد الآن خرقا للعقوبات الأميركية، والاستمرار بها يعني أن قطر ستنكوي بنار العقوبات الأميركية، أي أن استمرار قطر في دعمها وتعاونها مع النظام الإيراني اقتصاديا وتجاريا، سيكون له عواقب وخيمة على الدوحة، وستقاسم إيران شراكة الشعور بالإنهيار، فتهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحة، حيث أكد أن الدول التي ستخرق العقوبات المفروضة على إيران ستتعرض لعقوبات قاسية، وهو ما وضع النظام القطري في مأزق تاريخي، فهو غير قادر الآن على فك ارتباطه بالنظام الإيراني الذي ارتمى بأحضانه واستقوى به ضد الأشقاء العرب، وفي الوقت نفسه فإنه لن يكون قادراً على تحمل العقوبات الأميركية.
لقد سارعت الدوحة بتخبط وعدم دراسة متأنية، إلى توسيع وتطوير علاقاتها مع إيران، حتى أصبحت محل استغلال لدى الأخيرة، التي أعدت قطر لتكون ممراً لها في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران، فتعاملت الأخيرة مع قطر على هذا الأساس، واستطاعت تشكيل ممرات ومراكز إيرانية في قطر وتحويلها إلى أدوات للاتفاف على العقوبات دون إدراك ولا وعي من قبل رموز النظام القطري، فهندست إيران علاقاتها مع قطر على أسس وبرامج وطرق يمكن استغلالها في حال فرضت العقوبات، مثل تعزيز التعاون بين موانئ البلدين، وزيادة حركة المرور بين ميناءي “بوشهر” الإيراني، و”حمد” القطري، وإنشاء خط بحري جديد لتعزيز التجارة بين البلدين، وزيادة حجم الصادرات الإيرانية إلى قطر، مع إمكانية نقل البضائع العابرة من تركيا والدول المجاورة الأخرى إلى موانئ قطر، باستخدام خطوط الشحن المناسبة من ميناء بوشهر إلى ميناء حمد، أي أنها عملت على توريط قطر في إجبارها على الدخول في مأزق العقوبات ومقاسمتها آثارها المدمرة.
ومن ناحية أخرى، فإن إيران أيضا اتبعت نهجا استغلاليا بعقد اتفاقيات مع الدوحة تجبر الأخيرة على دفع حصة من إيراداتها المالية من بيع الغاز لإيران بذريعة تقاسم البلدين حقل الغاز القطري، والتي تمت مقابل سكوت إيران عن أي كمية تستخرجها قطر من هذا الحقل، ما سيعتبر خرقا آخر للعقوبات لن يكون مجهولا لدى الإدارة الأميركية التي أصبحت على خبرة عالية في التعامل مع العقوبات ومراقبتها بكشل دقيق.