أكاديمية الكسل
فاروق يوسف*
هناك هجمة شرسة يقوم بها ذوو الاختصاص الأكاديمي على المنابر التي ينبغي أن يعتليها ذوو الخبرة في الشأن الفني. المؤسسات الفنية التي تستدعيهم للمشاركة في ندواتها إنما تكرس عماها الحقيقي حين تخضع لذلك النوع من الابتزاز المبتذل الذي تنطوي عليه شهاداتهم.
لطالما كانت الدرجة العلمية وسيلة للحصول على وظيفة مضمونة الدخل، ومن المعروف أن الجامعات في العالم العربي صارت مأوى للكسالى المقعدين من فقراء العقل والخيال. ولذلك من غير المقبول أن يتم إقحام الندوات التي تتعلق بالجماليات والنقد الفني في وحول تلك الجامعات العاجزة عن أداء وظيفتها في التنوير وصنع الطليعة التي ينتظرها المجتمع.
إنه من السذاجة أن يتم النظر إلى معلمي نظريات الفن باعتبارهم عارفين بشؤونه، فهم مجموعة من المُلَقّنين الذين لا يجيدون سوى تكرار ما تعلموه مدرسيا.
إنهم نتاج مقاعد الدراسة وليسوا أبناء الحياة المتغيرة؛ ذوو الاختصاص ما هم إلّا جرّاحون بأدوات لم تعد متداولة بين الأطباء، وهو ما يعني أن كل ما يقولونه لم يعد صالحا للتداول اليومي في عصر يعجّ بالتحولات والانقلابات.
يلزمنا الكثير من الحرص على مستقبل الأجيال حين يتعلق الأمر بالفن، وهو ممارسة حساسة لفعل الخلق الذي يؤمن بالحركة والحيوية، من الظلم أن تحوّل المؤسسة الفنية ندوات فنية إلى نوع من الدرس الذي يمكن أن يتلقاه المرء في حياته الجامعية الجافة.
لقد التقيت شخصيا في ندوات عدة بأكاديميين لم يسمعوا بسي تومبلي وأنسيلم كيفر وجورج باسليتز وجيرهارد رشتر وتشيلدا وسيرا، وكانت محاضراتهم معدة بما لا يجعل السؤال محتملا.
أعتقد أنها جريمة تمارس في حق الفن وفي حق أجيال ترغب في صناعة مصيرها بطريقة مختلفة، لا أعتقد أن ذوي الاختصاص صادقون في ما يقولونه، هم يعرفون أن حدود الدرس ليست مطلقة. لذلك فإنهم يمارسون نوعا من الاحتيال حين يعتلون منصات هي ليست لهم ليقولوا كلاما معادا، يعرفون أنه لا يمتّ إلى حقيقة الفن بصلة.
*كاتب عراقي.