مناقشة مع الصديق سلطان العتواني

د. عيدروس النقيب

تابعت مقابلة الزميل سلطان العتواني العضو البرلماني الناصري، الذي رقي إلى مستشار لرئيس الجمهورية اليمنية فوق موقعه البرلماني، والتي أجراها معه موقع عربي سبوتنك، والتي تناول فيها كثيراً من الأمور المتصلة بالأزمة اليمنية.

كان الزميل العتواني موفقاً في الهروب من الإجابة على السؤال: ما الذي تبقى من الوحدة اليمنية؟ من خلال القول: “لا انفصال بالقوة ولا وحدة بالقوة أيضاً، لابد أن نستعيد الدولة أولاً قبل الحديث عن الانفصال”، وكان يمكنه الاكتفاء بهذا  القدر ليحفظ بعضاً من الاحترام الذي تبقى له في الجنوب، لكن مندوب الموقع استدرجه بذكاء ليستخرج منه ما ظل يكتمه عندما كنا نتحدث عن القضية الجنوبية في إطار محالات جمع القوى التي كانت تناوئ حكم علي عبدالله صالح في سياق ما أسميناه حينها بـ “التشاور الوطني ثم الحوار الوطني”.
فقد سأله المندوب عما إذا كان هذا يعني “أنكم ترفضون الانفصال؟”، إذ أجاب أنهم مع مخرجات الحوار الوطني، التي تقضي بقيام دولة اتحادية، ليعود ويطين الإجابة بالقول: “لا يمكن أن تخضع الوحدة لرغبات ونزوات وشهوات أفراد لا يمثلون الشعب اليمني، لا في الجنوب ولا في الشمال”.
أخونا سلطان يبرر وحدويته بأنه عاش في عدن، وهو ما يعني أن على عدن أن تدفع ثمن طبيعتها الكوسموبولوتيكية وتخضع للناهبين والسالبين ومغتصبي حقوق الناس ومن دمروا كل ما له صلة بالدولة والمدنية والقانون، أو أن كل من حل في مدينة في زمن ما له الحق ان يلحقها ببلده، أو أن القاهرة التي عاش فيها صديقنا شطرا من حياته عليها أن تكون هي الأخرى يمنية خاضعة لغزاة 7/7.
وثالثة الأثافي أن الصديق الوحدوي يعتبر ملايين الجنوبيين التي تطالب باستعادة دولتها بعد أن ذاقت المرارات المضاعفة من حربين مدمرتين جاءتا باسم الدفاع عن “الوحدة” يعتبرهم أفرادا لا يمثلون الجنوب، بينما لا يعتبر نفسه أفراداً بل ممثلا للجنوب ومقياسا يخضع الجميع لرؤيته وموقفه وقناعاته.

ولو للأثافي رابعة فإنها تكمن في أن زميلنا العزيز يبرر الوحدوية بأن الجنوبيين يحاربون الحوثيين نيابة عن الهاربين في السعودية ومصر وتركيا وقطر، ويعتبر كرم هؤلاء الأبطال وتضحياتهم سببا كافيا لمعاقبتهم بإخضاعهم لطغاة 1994م.

حديث صديقي سلطان العتواني يذكرني بخطاب علي سالم البيض في ميدان السبعين عندما كان يقول أننا شعب واحد وأمة واحدة، وتعرفون ماذا كان جزاؤه من قِبل “المدعي الكذاب”، كما أسماهم الشاعر علي البجيري في قصيدته الشهيرة.
الزميل سلطان العتواني ناصري عتيد، والناصريون يفترض أن يقتدوا بالرسالة الناصرية العظيمة التي تقدس الحرية والكرامة الإنسانية وتحترم إرادة الشعوب، والتي عندما شعر قائدها العظيم جمال عبد الناصر بأن الشعب السوري لم يعد يرغب بالوحدة مع مصر احترم حق هذا الشعب في الخروج من مشروع الوحدة الفاشل دون أن يضطر لإطلاق رصاصة واحدة في وجهه (أي في وجه الشعب السوري) ، ودون أن يتهم هذا الشعب بالخيانة والعمالة والانفصالية، كما فعل نظام 7/7 مع شعب الجنوب، ومن المؤسف أن زعماء 7/7 يجدون اليوم في القائد الناصري من يتطوع للدفاع عن سياساتهم المدمرة، وأستغرب أن يتبنى الزميل الناصري خطاب نظامٍ أذاقه ورفاقه المرارت في سجون محمد خميس وغالب القمش، ليعتبر الشعب أفراداً، ويعتبر اللصوص والناهبين والقتلة والمجرمين ليسوا أفراداً.
سأتوقف لبرهة قصيرة عند قضية الاستعمار والشراكة التي وردت في حديث الأخ عيدروس الزبيدي في أحد التصريحات، وسلط لها ناشرو التغريدات وصبية الفيس بوك وتويتر مئات المنشورات والتغريدات، وسأل بعضهم الأخ عيدروس الزبيدي في أحد اللقاءات المفتوحة الكثيرة التي عقدها في لندن وشفيلد، في خلط مقصود بين المفردات وطلب منه أن يعتذر لشهداء ثورة 14 أكتوبر، كان رد عيدروس بسيطاً وواضحا بالقول: “بريطانيا كانت دولة استعمارية في الماضي؛ لكنها يمكن أن تكون شريكا لنا في المستقبل، من غير المعقول أن نعادي بريطانيا إلى الأبد، بل إننا نؤكد أنها يمكن أن تكون شريكا فاعلاً لنا في كل المجالات”، فليكف المتصيدون والأفاقون عن ثقافة الاقتناص وترجمة المفردات على النحو الذي يتمنونه، وقد وقع الزميل أبو إبراهيم في مطب كبير عندما أراد أن يقارن بين الاستعمار البريطاني للجنوب وبين غزاة 1994م و2015م، معتقداً أن جماعة 94م أفضل من الاستعمار البريطاني.
يا صديقي العزيز أيها الناصري العتيد إن الاستعمار بغيض بغير شك، لأن الأمر يتصل بالسيادة الوطنية وحق الشعب في اتخاذ القرار، لكن مقارنة النظام الاستعمار البريطاني  مع غزاة 1994م و2015م  فيه ظلمٌ كبير للاستعمار الذي برغم سياساته المقيتة، لم يقتل مواطناً واحدا ولو كان من ثوار الجبهة القومية أو التنظيم الشعبي أو جبهة التحرير بدون محاكمة، ولم ينهب منزلا، ولم يسطُ على قطعة أرض، وكان يدفع لسلاطين المنطقة أجرة استخدامه المعسكرات والقواعد العسكرية، كي لا أحدثك عن منظومة القوانين وزرع بذور المدنية وبنى أسس منظومة التعليم والخدمة الطبية على محدوديتها.

إنني لا أدافع عن النظام الاستعماري الذي يظل بغيضا وممقوتا في كل الأحول، ولهذا جاءت ثورات التحرر الوطني والحكومات الوطنية الجديدة، لكنها لم تأتِ لتستبدل استعمارا لديه بعض المعالم المدنية باستعمار همجي عدواني بشع ينتمي قادته إلى ثقافة القرون الوسطى القائمة على  السطو والبسط والاستحواذ والبطش والهنجمة والعنتريات ويسقطون عند أول أرعن يتفوق عليهم بهذه الصفات..
سأكتفي بهذا القدر وأترك بقية القضايا التي يستحق كثيرٌ منها التوقف والمناقشة.


مقالات الكاتب