في لحج.. هاربون من بطش الحوثي يكتوون بنيران النزوح

السبت 6 إبريل 2019 13:59:00
testus -US

أربع سنوات من الحرب احتضنت فيها محافظة لحج  نازحين هربوا من بطش مليشيات الحوثي ومن قذائف مدافعها التي لا تميز بين العسكري والمدني ليجدوا أنفسهم في ارض لم يتوقعوا يوما أن يصلوا إليها في أحسن الأحوال .

 بين ليلة وضحاها وجد النازحون أنفسهم إما في مخيمات لا تقيهم زمهرير الشتاء ولا غيض الصيف، أو في منازل يكتوون بإيجاراتها المرتفعة . يبحثون عن لقمة العيش على أبواب الجمعيات والمنظمات وينتظروها بفارغ الصبر علها تخفف من نيران الظروف التي يصطلون بها يوما بعد يوم في رحلة النزوح التي أجبرتهم المليشيات الحوثية على ركوبها نحو مستقبل مجهول .المشهد العربي يرصد أوضاع النازحين في لحج في هذا الاستطلاع:

استطلاع / خلدون البرحي

محافظة لحج هي أقرب المحافظات لمن قصد النزوح بغير رضاه هرباً من الموت المحقق جوعاً أو قتلا، بقذائف المليشيات الحوثية أو من تعسفها في المحافظات التي تسيطر عليها، فكان المشهد المُوجع لمن يمتلك إنسانية ويشعر بما يشعر بها النازحين من مرارة البعد عن المنزل والحرمان من الحياة الجميلة على بساطتها في أمن وأمان مع أفراد اسرته وجيرانه في الحي الذي يختزل كل ذكريات حياته الجميلة بحلوها ومُرها.

أبو محمد، أحد النازحين من الحديدة إلى مديرية تُبن محافظة لحج يقول "إن البطش والابتزاز الذي مارسته المليشيات الحوثية هو من أجبرنا على النزوح من الحديدة إلى محافظة لحج بحثاً عن الأمن والأمان، بعد أن فقدناه في أحيائنا ومحافظاتنا التي كانت مضرب الأمثال في الاستقرار منذ ولادتنا إلى أن حصل الانقلاب".

وأردف أبو محمد، :"أنا اليوم وأسرتي نازحون في مديرية تبن في حي غير الحي الذي تعودت عليه وبين أشخاص لم آلفهم من قبل، وحياة مختلفة عن تلك التي اعتدتها في مسقط رأسي".

مشيرا بالقول :"النزوح حمل لي أوجاع كثيرة ومعاناة كبيرة رغم محاولاتي التأقلم مع الوضع منذ نزوحي قبل ثلاث سنوات، وأنا من ذلك الوقت بين مطرقة إيجار المنزل وسندان توفير متطلبات الأسرة من مأكل وملبس ومشرب، حتى أحافظ على حياتهم، خاصة بعد انقطاع الراتب الذي كنت أتقاضاه من عملي الحكومي".

نازحون على أبواب المنظمات

أبو محمد ليس الوحيد الذي نزح هو وأسرته إلى محافظة لحج، بل هناك الكثيرون ممن ساقتهم أقدامهم بخطوات متسارعة إلى هذه المحافظة لا إراديا ودون معرفة ما تحمله رحلت الهروب من متاعب، وما يكتنفه النزوح من أوجاع، لأن الهم كان هو النجاة من الموت أو البطش الذي تمارسه المليشيات في مناطق سيطرتها على المواطنين .

وهنا تقول مريم أحمد علي نازحة من تعز:" نزحت مع أسرتي إلى مديرية الحوطة عاصمة محافظة لحج، بعد أن شردتنا الحرب من منازلنا منذ سنتين بسبب تمركز المليشيات في حارتنا".

وأردفت :"لقد تركت منزلي وأحلامي التي كنت أتطلع إلى تحقيقها، بعد أن أنهي دراستي الجامعية، واتحصل على الوظيفة التي هي حلم كل الشباب، فأصبح الحلم اليوم والحقيقة هو حرب ونزوح، لتتحول أحلامنا من تطلع للمستقبل، إلى أمنيات عظيمة ودعاء وتضرع إلى الله بالعودة إلى منازلنا، حتى نتمكن من العودة إلى حياتنا التي اعتدنا عليها وعلى طقوسها مع من اعتدنا عليهم وعلى مقاسمتهم اللحظات بكل تناقضاتها".

وأوضحت بالقول :"نحن نُعاني اليوم الكثير من الصعوبات بسبب النزوح الذي طال أمده، وأصبحنا بدلاً من البحث عن المستقبل نبحث عن لقمة العيش بين أبواب الجمعيات والمنظمات لعلها تخفف من جوع أو تساعدنا في دفع إيجار المنزل الذي أصبح اكبر هم نعد الأيام للوصول إلى يوم السداد قبل أن يعاقبنا المالك ونجد أنفسنا في الشارع".

 

نازحون متسولون

النازحون مواطنون يمنيون شتتهم الحرب من منازلهم ومحافظاتهم فكان المأوى، إما خيمة، أو منزل مستأجر، أو العراء خلف جواني قام بخياطتها ليحولها إلى مكان للسكن ناشداً منها الستر على أطفاله وبناته مرتجياً أن تكون أءمن من المنزل الذي تركه في محافظته التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية.

عبدالله اسعد نازح في أحد المخيمات في تبن يقول :"أسرتي كبيرة ونسكن جميعاً في خيمة صغيرة لا تسع لأكثر من أربعة أشخاص، وفي منطقة مكشوفة، بردها قارص وحرها لاهب، ورياحها لا تتوقف على مدار العام، ثلاث سنوات ونحن على هذا الحال وكل عام نأمل في نهاية الحرب للعودة إلى منازلنا، ولكن آمالنا دائما تصطدم باستمرار الحرب وتعنت المليشيات الحوثية وإصرارها على تجريعنا المزيد من المعاناة".

وأضاف عبدالله :"رواتبنا متوقفة منذ سنوات ونعتمد في عيشنا على ما تجود به الجمعيات والمنظمات من مساعدات غذائية وأحيانا لا نستلمها على مدى شهور طوال ما يجعلنا نبحث عن مصادر أخرى في البحث عما يسد رمق جوعنا وأطفالنا".

وأكد عبدالله بالقول :"في أصعب الظروف نضطر أنا وأولادي للتسول في المساجد والأسواق للحصول على بعض الفلوس ( المال)، لتوفير ما يمكن توفيره للأسرة، حتى نتمكن من مجابهة ظروف الحياة الصعبة التي أجبرنا على عيشها بسبب حرب المليشيات العبثية".

كما تقول أم نورهان:"عندما خرجنا هاربين من ويلات الحرب، لم نتمكن من حمل أمتعتنا وخرجنا بجلودنا وملابسنا في رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر والخوف، وقد عانينا الكثير من الصعوبات والمعوقات ونحن نتنقل من مكانٍ لآخر، مشياً على الأقدام في حرارة الشمس اللاهبة، والأرض الحارقة تحت أقدامنا، ولم نجد ما نأكله أو نشربه على مدى يومين، وصرخات أطفالنا تتعالى من الجوع حتى أيقنا الموت المحتم".

وأضافت :"كنا نتنقل من مكان لآخر ومن منطقة لأخرى، حتى وصلنا إلى مناطق يسيطر عليها الجيش، والمقاومة الذين لم يبخلوا علينا بالأكل والشرب وساعدونا حتى وصلنا إلى محافظة لحج والتي بقينا فيها حتى اليوم".

وأردفت أم نورهان :"نحن اليوم نعيش ظروفاً قاسية في هذا المُخيم مع العديد من النازحين من مختلف المحافظات، خاصة وأن مكان السكن هو خيمة وتتعرض للشمس الحارة التي لم نعتادها في بلادنا وفي أيام البرد لاتقينا من برودته، ولا نملك إلا الملابس التي خرجنا بها".

النزوح أسوء مافي الحياة

أن تترك بيتك وكل ماتملك هرباً من الحرب، وتجد نفسك في مكان يفتقر لكل مقومات الحياة، تعيش أوضاعاً مُزرية لا ترتقِ لأدنى شروط الإنسانية، هنا تدرك أن النزوح هو أسوأ شيء يمكن أن تقابله في حياتك، ولا يمكن أن تقابل ما هو أسوأ منه.

هيثم الحبشي قال "أن النزوح أسوأ شي قابلته في حياتي، عندما تترك بيتك وكل ماتملك من اجل الحياة، هذا أمرٌ يجعلك تفكر جيداً بهذه الحرب وما سببته من مآسي في حياتك، وحياة الملايين من أبناء اليمن الذين أصبحوا نازحين ومشردين في داخل اليمني بين المحافظات يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء، يبحثون عن الحياة في طوابير الماء وطوابير الغذاء، ويعيشون في خيام كمن أصيب بمرض معد وجرى عزله مع نظرات الانتقاص التي تلاحقهم حيثما حلو".

مشيرا إلى أن النازحين لم يرتضوا النزوح، ولم يسعوا من أجله بقدر ما فُرض عليهم إجبارياً، كخيار بين خيارين، إما الموت بآلة القتل الحوثية، أو الموت جوعاً، فكان النزوح هو الخيار المُر والصعب، لكنه الأمثل بين سابقيه من الخيارات".

ولفت هيثم إلى أن مرارة العيش في مناطق النزوح "تعلمك أشياء كثيرة، أبرزها قيمة الوطن، ونعمة الأمن والاستقرار، وجمال الحياة ولذة العيش في المنزل بين أفراد أسرتك ومحيطك الاجتماعي".

أربع سنوات على رحلة الوجع والمعاناة للنازحين في محافظة لحج، قاسوا خلالها صنوف العذابات، بحثاً عن الطعام الذي يشبع جوعهم والمسكن الذي يؤويهم من تقلبات المناخ، وفي مطلع السنة الخامسة من حرب المليشيات، يأملون أن تنتهي الحرب قبل أن تنتهي أشهرها لتنتهي معاناتهم إلى الأبد.