غريفيث إلى صنعاء.. خدعة الضغط الأممي على الحوثيين مازالت مستمرة
رأي المشهد العربي
تحاول الأمم المتحدة من خلال الزيارات المتتالية لمبعوثيها إلى صنعاء، الإيحاء بأنها تمارس ضغوط جدية على العناصر الانقلابية من أجل الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها مع حكومة الشرعية والتي كان آخرها اتفاق السويد وتفريعاته التي يعد أبرزها تنفيذ خطة إعادة الانتشار بالحديدة، غير أن هذه الخدعة أضحت لا تنطلي على الكثيرين.
وهناك أسباب عدة تكشف هذه الخدعة التي أضحت مكشوفة للعالم كله، وأولها؛ أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لم يغير من خطط الضغط التي يروج لأنه يقوم بها على مليشيا الحوثي منذ أن وطأت قدامه الأراضي اليمنية، وفي كل مرة يذهب غريفيث للقاء زعيم المليشيا الانقلابية يكون الحوار استجدائي وليس إلزامي وهو ما ينتهي به في نهاية المطاف إلى لا شيء.
والسبب الثاني، أن المبعوث الأممي إلى اليمن لا يقوم بدوره الوساطة المنوط بها مهام عمله، بالمعني الصحيح والمقبول، ولعل ما يبرهن على ذلك أنه يرفض تحميل العناصر الانقلابية مسؤولية تأجيل تنفيذ اتفاق الحديدة، وخرق الهدنة بشكل يومي، وبذلك يكون دوره سلبيا، ويسمح بمزيد من المناورات التي تبرع فيها عناصر الانقلاب لإدراكها أنها أمام وساطة أممية زائفة.
والعامل الثالث الذي يبرهن على أن الخدعة مازالت مستمرة، أن غريفيث فوت الفرصة على إمكانية إحداث توافق أممي يذهب لفرض عقوبات على العناصر الانقلابية بسبب جرائمها اليومية، إذ أنه يتعامل مع الحكومة والعناصر الانقلابية باعتبارهما طرفي نزاع، ويرفض توصيف العناصر الانقلابية بأنها سلطة غاصبة للأرض وترتكب يوميا عشرات الجرائم بحق اليمنيين المدنيين، وهو ما لم تذكر تقاريره التي يقدمها لمجلس الأمن والتي تلقي باتهامات جزافية على جميع الأطراف.
كان بإمكان غريفيث أن يضع مليشيا الحوثي في مأزق حال أنه رفض الذهاب إلى صنعاء وأعلن علنا بأن العناصر الانقلابية استهدفت البعثة الأممية في الحديدة إن أراد ذلك، كان بإمكانه أن يخلق رأي عام مضاد للعناصر الانقلابية التي لم تفرق بين المدنيين والعسكريين والوسطاء في جرائمها التي ترتكبها في الحديدة وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، لكنه لم يرد ذلك، وأعطى لها فرصة جديدة للمناورة بعد أن ذهب إليها وظهر كأنه يتوسل إليها للالتزام باتفاق السويد.
يدرك غريفيث جيدا أنه حتى وأن أعلنت مليشيا الحوثي موافقتها على تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق إعادة الانتشار بالحديدة، فإنها لن تلتزم به، وذلك لعوامل عدة، أولها أنه لا يوجد ضغط دولي وأممي قوي يدفعها للالتزام بالانسحاب من الموانئ.
بالإضافة إلى أن طهران تستخدم مليشيا الحوثي للضغط في ملفات إقليمية أخرى منخرطة فيها، وبالتالي فإنها تعطي تعليماتها بعدم تنفيذ الاتفاق، وهو إجراء متوقع من طهران الداعم الأول للانقلاب الحوثي بعد قرار إدراج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية.
قد تكون زيارة غريفيث إلى صنعاء خطوة لحفظ ماء وجه الأمم المتحدة التي تبدوا أنها غارقة في اليمن ولا تستطيع أن تحدث أي تقدم سياسي منذ سنوات، بل على العكس فإن ضعفها سمح لمليشيا الحوثي بالتمادي في جرائمهم بعد أن أدركوا أنهم أمام ظهير أممي داعم لهم وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.
وقالت مصادر في تصريحات سابقة لـ"المشهد العربي"، إن غريفيث حاول انتزاع موافقة من زعيم المليشيا بشأن الخطة المعدلة التي أعدها رئيس فريق المراقبين الدوليين في الحديدة الجنرال مايكل لوليسغارد، وأن غريفيث أبلغ زعيم الحوثيين أنه يتعرض لضغوطات كبيرة من الحكومة والتحالف لعدم تنفيذ اتفاق الحديدة، وأن عليهم التعاون لمساعدته في تجنيب الحديدة الحرب وإنقاذ اتفاق السويد من الفشل.
لم يحصل غريفيث من زعيم المليشيا سوى وعد بالاستعداد للتعاون، من دون أن يدخل في تفاصيل المرحلة الأولى من اتفاق إعادة الانتشار المعدل، والذي ينص على أن تنسحب المليشيا الانقلابية من مينائي (الصليف – رأس عيسى)، وظل موضوع هوية القوات التي ستتولى تأمين الموانئ موضوع خلاف حتى الآن.
وقالت مصادر محلية، في وقت سابق لـ"المشهد العربي"، إن غريفيث، طرح تعديلات بشأن هوية القوات التي ستتولى الإشراف على الميناء، وأنه يسعى إلى الوصول إلى التوافق عليها.
وبينت أن غريفيث الذي اختصر زيارته إلى يوم واحدٍ، سيتوجه إلى الرياض، بهدف الحصول على موافقات لمقترح هوية قوات الموانئ، والتي لم يعرف تفاصيل حولها بعد.
ومنذ انطلاق عمليات التفاوض من أجل السلام في اليمن ويجتمع «غريفيث ولوليسغارد» كثيرًا بطرفي الأزمة لكن دون أي نتائج ملموسة على الأرض أو بوادر لحلحلة الأزمة اليمنية بسبب تعنت مليشيات الحوثي والتي لا تدخر أي جهد لإعاقة هذه العمليات بمختلف الوسائل، سواء بعدم الالتزام بتنفيذ البنود المتفق عليها في السويد، أو باختراقاتها مئات المرات لوقف إطلاق النار، أو بتنصلها من عملية الانسحاب من الحديدة.