المهاجرون الأفارقة في عدن.. عبورٌ من الموت إلى الجريمة
"عندما يسير العدنيون، نهاراً وليلاً، في شوارع العاصمة، تجوب أعينهم على حشود من ساكني الأرض وقاطني الأرصفة، يحوم حولهم سرب من الأسئلة.. من هؤلاء؟، لماذا هم هنا؟، لماذا الصمت على وجودهم هنا".
باتت محافظات الجنوب، وتحديداً العاصمة عدن، موطناً لتدفق أعداد هائلة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، يقولون إنّهم يهربون من المرض والموت، لكنّهم في الوقت نفسه ينشرون المرض نفسه والموت ذاته.
يُبرّر هؤلاء الأفارقة أنّ سبب هروبهم من بلادهم راجعٌ بالأساس إلى ظروفها الاقتصادية الصعبة وافتقادهم إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، ويستغلون الأوضاع الأمنية والسياسية القائمة حالياً بسبب الحرب في الدخول، بعضهم يتخذ اليمن "ترانزيت" للانتقال إلى دولة أخرى أو يعتبره وطناً بديلاً وإن كان بشكل غير شرعي.
يُزيد المهاجرون غير الشرعيين، الذين يفترشون الأرض، يجلسون، ينامون، يأكلون، يقضون حاجاتهم، من معاناة مناطق الجنوب، فهم يتسبّبون في تفشي الأمراض ونقل العدوى، دون تدخل بالقدر المطلوب من قِبل السلطات المحلية.
لا يتوقف خطر المهاجرين عند هذا الحد، بل يرتكبون الكثير من الجرائم سواء أكان ذلك نابعاً من نفوسهم المريضة بحب الجريمة أو يُقدِمون على ذلك بسبب العوز والحاجة، فإذا كانت الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة تتسبّب في معاناة المواطنين فإنّ هؤلاء المهاجرين لن تتسنى لهم فرصة الحصول على عمل يقتادون منه.
ولم تمنع الظروف المأساوية التي يحياها اليمن جرّاء الحرب الحوثية منذ سنوات، آلاف المهاجرين من دخول البلاد بشكل غير شرعي، وقد كشفت تقارير رقابية دولية أنّ شبكات المهربين تستغل غياب الإجراءات الأمنية عند الحدود البحرية لنقل أعداد متزايدة من المهاجرين غير الشرعيين.
ويصل عشرات المهاجرين إلى اليمن بصورة يومية، وتستغرق الرحلة ما بين 18 و24 ساعة بحسب الأحوال الجوية وحالة المراكب، ونظراً إلى المنافسة بين المهربين تنخفض الرسوم كثيراً، إذ يكلِّف نقل الشخص الواحد من 170 إلى 200 دولار أمريكي، وبإمكان المهاجرين أن يدفعوا لدى وصولهم، إلا أنّه لايُسمَح لهم بالذهاب في سبيلهم إلا بعد تسديد كامل المبلغ المتوجّب عليهم، وإلا قد يُسجَنون في مراكز الاعتقال التي يتولى المهرِّبون إدارتها.
مصادر مطلعة أبلغت "المشهد العربي" أنّه تمّ رصد في الأيام الأخيرة، تدفق كبير لمهاجرين من إثيوبيا، واللافت أنّهم قادمون من منطقة واحدة هناك وهي أورمو، وهم مشهورون بالإجرام ويدخلون عدن يومياً وبأعداد مخيفة، قد تصل إلى 100 شخص يومياً، يحملون حقائب صغيرة من نفس النوع وينقسمون إلى مجموعات من خمسة أشخاص.
هذه الشهادة المروّعة يمكن أن تلوّح إلى خطر أكبر، يتمثل في أن عصابات تهريب قد تكون وراء الزج بهؤلاء المهاجرين في مناطق الجنوب، مستغلةً حالة الفراغ الأمني في محاولة لتعيث في الأرض إجراماً محقّقةً من جرّاء ذلك الكثير من العوائد المالية.
ويمكن تفسير سبب ازدياد أعداد المهاجرين الإثيوبيين في اليمن، في أنّ السعودية كانت قد قررت في العام 2013 التوقف عن قبول أيادي عاملة من الجنسية الإثيوبية على أراضيها في أعقاب مصادمات بين قوات أمن وعمال إثيوبيين، وهو ما دعاهم إلى التركيز للهجرة إلى اليمن، مستغلين في ذلك حالة الفراغ الأمني.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية، كانت لدى 99.9% من المهاجرين الذين تم رصدهم في اليمن في عام 2017 نية بالذهاب إلى السعودية، ورغم أنّه يُصعب إيجاد وظيفة في اليمن، إلا أنّ عدداً كبيراً من المهاجرين يعمل مقابل أجور متدنّية جداً في الزراعة أو البناء، حيث يكسبون نحو خمسة دولارات في اليوم.
ويمثل العبور من اليمن إلى السعودية الجزء الأصعب الذي يواجهه المهاجرون في رحلتهم، وأرجعت دراسات بحثية ذلك إلى أنّ الشريط الحدودي الممتد على مسافة 1400 كيلومتر أصبح عسكري الطابع منذ اندلاع الحرب، وعمدت الرياض على تعزيز الأمن الحدودي عبر إرسال آلاف الجنود إلى المنطقة، لكنّ على الرغم من هذه الإجراءات الأمنية، لايزال المهرِّبون يجدون طرقاً للالتفاف على القيود.
ولم يستبعد مراقبون أن يكون انخفاض السعر، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية سببين مباشرين في زيادة تدفق المهاجرين إلى محافظات الجنوب، مقارنةً إلى رحلات شبيهة إلى أوروبا بالإضافة إلى أنّها تكلّف الكثير من الأموال، فإنّ تُقابَل بإجراءات أمنية غاية في التشدّد، حيث ترفض أغلب الدول دخولهم خوفاً من ارتكابهم أي هجمات وأعمال عنف، أو تسبّبهم في تفشي في أمراض معدية ناجمة عن الفقر الحاد في أغلب الدول التي يأتون منها.
ملف المهاجرين غير الشرعيين يتم استخدامه كذلك من قِبل المعسكر العدائي، المتمثل في قطر وإيران تحديداً ضد اليمن، مروجين إدعاءات عن تعرّض هؤلاء المهاجرين لاعتداءات.
كل هذه التحديات تفرض على السلطات المحلية ضرورة التدخل على الفور وطرح استراتيجية محددة، تقوم على التصدي للهجرة غير الشرعية منعاً لمزيدٍ من الخسائر، سواء الصحية أو الاقتصادية أو الأمنية.